فهرس الكتاب
الصفحة 292 من 335

شيئاً من جمال الأفعال استدل به على جمال الصفات، ثم استدل بجمال الصفات على جمال الذات، ومن هنا يتبين أنه سبحانه له الحمد كله، وأن أحداً من خلقه لا يحصى ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، وأنه يستحق أن يعبد لذاته ويحبُّ لذاته ويشكر لذاته، وأنه سبحانه يحب نفسه ويثني على نفسه ويحمد نفسه، وأن محبته لنفسه وحمد لنفسه وثناءه على نفسه وتوحيده لنفسه؛ هو في الحقيقة الحمد والثناء والحب والتوحيد، فهو سبحانه كما أثنى على نفسه وفوق ما يثني به عليه خلقه، وهو سبحانه كما يحب ذاته يحب صفاته وأفعاله، فكل أفعاله حسن محبوب وإن كان في مفعولاته ما يبغضه ويكرهه فليس في أفعاله ما هو مكروه مسخوط، وليس في الوجود ما يحب لذاته ويحمد لذاته إلا هو سبحانه، وكل ما يحب سواه فإن كانت محبته تابعة لمحبته سبحانه بحيث يحب لأجله فمحبته صحيحة وإلا فهي محبة باطلة، وهذا هو حقيقة الإلهية، فإن الإله الحق هو الذي يحب لذاته ويحمد لذاته، فكيف إذا انضاف إلى ذلك إحسانه وإنعامه وحلمه وتجاوزه وعفوه، وبره ورحمته، فعلى العبد أن يعلم أنه لا إله إلا الله فيحبه ويحمده لذاته وكماله، وأن يعلم أنه لا محسن على الحقيقة بأصناف النعم الظاهرة والباطنة إلا هو فيحبه لإحسانه وإنعامه، ويحمده على ذلك فيحبه من الوجهين جميعاً، وكما أنه ليس كمثله شيء، فليس كمحبته محبة، والمحبة مع الخضوع هي العبودية التي خلق الخلق لأجلها، فإنها غاية الحب بغاية الذل، لا يصلح ذلك إلا له سبحانه، والإشراك به في هذا هو الشرك الذي لا يغفره الله ولا يقبل لصاحبه عملاً"اهـ (1) ."

وقال رحمه الله:"والمحبة لها داعيان: الجمال والإجلال، والرب تعالى له الكمال المطلق من ذلك فإنه جميل يحب الجمال، بل الجمال كله له، والإجلال كله منه فلا يستحق أن يحب لذاته من كل وجه سواه" (2) .

إن معرفة الله عز وجل بالجمال من أعز أنواع المعرفة وأعظمها شأناً؛ فإن أتمَّ

(1) "الفوائد" (ص/322) .

(2) "الجواب الكافي" (ص/276) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام