هذا؛ واعتقاد العبد وإيمانه بأن الشافي هو الله وحده، وأن الشفاء بيده ليس مانعاً من بذل الأسباب النافعة بالتداوي وطلب العلاج وتناول الأدوية المفيدة، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث عديدةٌ في الأمر بالتداوي وذكر أنواع من الأدوية النافعة المفيدة، وأن ذلك لا ينافي التوكل على الله واعتقاد أن الشفاء بيده.
فقد روى مسلم في"صحيحه" (1) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لكل داء دواء، فإذا أُصيب دواء الداء، برأ بإذن الله عز وجل".
وفي"صحيح البخاري" (2) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله لعيه وسلم:"ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء".
وفي"المسند"وغيره عن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت الأعراب فقالوا: يا رسول الله أنتداوى؟ فقال:"نعم، يا عباد الله تداووا، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفاء غير داء واحد"، قالوا: ما هو؟ قال:"الهرم"، وفي لفظ:"إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله" (3) .
فتضمنت هذه الأحاديث إثبات الأسباب والمسببات، والأمر بالتداوي، وأنه لا ينافي التوكل على الله عز وجل؛ لأن حقيقة التوكل على الله اعتمادُ القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ولابد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب النافعة، فكما أن دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب لا ينافي الإيمان بقوله: (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) [الشعراء: 79] ، فكذلك دفع المرض بالعلاج النافع والدواء المفيد لا ينافي الإيمان بقوله: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) ، بل لا تتم حقيقة التوكل إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدراً وشرعاً، والتي تعطيها قدحٌ في التوكل نفسه.
(1) (رقم: 2204) .
(2) (رقم: 5354) .
(3) رواه أحمد (4/ 278) ، وأبو داود (رقم: 3855) ، وابن حبان (رقم: 486) ، والحاكم (1/ 121) ، وغيرهم بإسناد صحيح.