[الجاثية: 28] ، وقوله: (أَئِنَّا لَمَدِينُونَ) [الصافات: 53] ، أي: مجزيون محاسبون.
وإذا عرف العاقل أن الرب سبحانه ديَّان، وأن يوم القيامة يومُ جزاءٍ وحساب، وأنه سيلقى الله ذلك اليوم لا محالة، وأنه في ذلك اليوم سيجد أعماله كلها محضرة خيرها وشرها، حسنها وسيئها؛ فإنه سيحسب لذلك اليوم حسابه ويعدُّ له عدته.
روى الإمام أحمد في"الزهد" (1) عن أبي قلابة، قال: قال أبو الدرداء رضي الله عنه قال:"البِرُّ لا يبلى، والإثم لا ينسى، والديان لا ينام، فكن كما شئت، كما تدين تدان".
فالكيِّس من دان نفسه وحاسبها ما دام في دار المهلة والعمل، والعاجز من أهملها سادرة في غيِّها وأتبعها هواها إلى أن يفجأه الندم.
روى ابن أبي الدنيا في كتابه"محاسبة النفس" (2) عن الخليفة الراشد عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أنه قال:"حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية".
أولا يذكرُ الظالم الغشوم هول المطلع وشدة الحساب وقول الديان سبحانه في ذلك اليوم:"لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حقٌ حتى أقصه منه، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده حقٌ حتى أُقِصِّه منه حتى اللطمة".
ولما سأل الصحابة رضي الله عنهم كيف يكون الحساب حينئذ والناس إنما يقدمون إلى الله يوم القيامة عراة غرلا بهما قال:"بالحسنات والسيئات"، أي: أنه سبحانه يأخذ للمظلوم من حسنات ظالمه، فإن لم يكن عنده حسنات أخذ من سيئات المظلوم فطرحت عليه ثم طرح في النار، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن
(1) (رقم: 764) ورجاله ثقات، وفيه انقطاع.
(2) (رقم: 2) .