فهرس الكتاب
الصفحة 244 من 335

وهو خطابٌ للمؤمنين الذين قاموا بحقائق الإيمان الظاهرة والباطنة بأنهم هم المنصورون، وأن العاقبة الحميدة لهم في الدنيا والآخرة.

ولهذا فإن المؤمنين ما لم يجاهدوا أنفسهم على تحقيق الإيمان والإتيان بمقومات النصر على الأعداء لا يتحقق لهم نصر، بل يتسلط عليهم أعداؤهم بسبب ذنوبهم وتقصيرهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"وحيث ظهر الكفار فإنما ذاك لذنوب المسلمين التي أوجبت نقص إيمانهم، ثم إذا تابوا بتكميل إيمانهم نصرهم الله، كما قال تعالى: (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 139] ، وقال: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) [آل عمران: 165] " (1) .

فيحتاج العباد للانتصار على العدو الظاهر أن يجاهدوا العدو الباطن من النفس الأمارة بالسوء والشيطان، فما لم ينتصروا على هذا العدو فلا نصر لهم.

قال ابن القيم رحمه الله في بيانه لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69] :"علق سبحانه الهداية بالجهاد، فأكمل الناس هداية أعظمهم جهاداً، وأفرض الجهاد جهاد النفس وجهاد الهوى وجهاد الشيطان وجهاد الدنيا، فمن جاهد هذه الأربعة في الله هداه الله سبل رضاه الموصلة إلى جنته، ومن ترك الجهاد فاته من الهدى بحسب ما عطل من الجهاد ... ولا يتمكن من جهاد عدوه الظاهر إلا من جاهد هذه الأعداء باطناً، فمن نُصر عليها نُصر على عدوه، ومن نُصرت عليه نصر عليه عدوُُّه" (2) .

(1) "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" (6/ 450) .

(2) "الفوائد" (ص/109) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام