فإن الله حسبه: أي: كافيه، ومن كان الله كافيهُ وواقِيَهُ فلا مطمع فيه لعدوِّه، ولا يضرُّه إلا أذى لابد منه، كالحر والبرد والجوع والعطش، وأما أن يضره بما يبلغ منه مراده فلا يكون أبداً، وفرقٌ بين الأذى الذي هو في الظاهر إيذاءٌ له - وهو في الحقيقة إحسانٌ إليه وإضرار بنفسه - وبين الضرر الذي يُتشفَّى به منه.
قال بعض السلف: جعلَ الله تعالى لكل عمل جزاءً من جنسه، وجعل جزاء التوكل عليه نفس كفايته لعبده، فقال: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) ، ولم يقل: نؤته كذا وكذا من الأجر، كما قال في الأعمال، بل جعل نفسه سبحانه كافي عبده المتوكل عليه وحسبه وواقيه، فلو توكل العبد على الله تعالى حق توكُّله وكادته السموات والأرض ومن فيهن لجعل له مخرجاً من ذلك وكفاه ونصره" (1) ."
وربط الكفاية بالتوكل من ربط الأسباب بمسبباتها، فالله عز وجل كافي من يثق به ويحسن التوكل عليه ويحقق الالتجاء إليه في نوائبه ومهماته، وكلما كان العبد حسن الظن بالله عظيم الرجاء فيما عنده صادق التوكل عليه فإن الله لا يخيب أمله فيه البتة.
ولا يستطبئ العبد كفاية الله له إذا بذل أسبابها، فإن الله بالغ أمره في الوقت الذي قدره له، ولذا قال تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) [الطلاق: 3] .
قال ابن القيم رحمه الله:"فلما ذكر كفايته للمتوكل عليه فربما أوهم ذلك تعجيل الكفاية وقت التوكُّل، فعقبه بقوله: (قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) [الطلاق: 3] ، أي: وقتاً لا يتعداه فهو يسوقه إلى وقته الذي قدره له، فلا يستعجل المتوكل ويقول: قد توكلتُ ودعوتُ فلم أر شيئاً ولم تحصل لي الكفاية، فالله بالغُ أمره في وقته الذي قدره له" (2) .
(1) "بدائع الفوائد" (2/ 766 - 767) .
(2) "أعلام الموقعين" (4/ 161) .