فهرس الكتاب
الصفحة 237 من 335

وفي مثل هذا المقام كثيراً ما يتنازل بعض الناس عن مثل هذه المعاني الجليلة إلى استخذاء للمخلوقين وتذلل لهم وانكسار بين أيديهم لينال بعض مآربه ويحصل بعض مطامعه، غير مبال بكون ذلك على حساب دينه ونيل رضا ربه عز وجل، فيخسر كفاية الله لأوليائه.

"ومن اشتغل بالله عن نفسه كفاه الله مؤونة نفسه، ومن اشتغل بالله عن الناس كفاه الله مؤونة الناس، ومن اشتغل بنفسه عن الله وكله الله إلى نفسه، ومن اشتغل بالناس عن الله وكله الله إليهم" (1) .

روى الترمذي في"جامعه" (2) أن معاوية رضي الله عنه كتب إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أن اكتبي إليّ كتاباً توصينني فيه ولا تكثري عليّ، فكتبت عائشة رضي الله عنها إلى معاوية:"سلامٌ عليك أما بعد: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم رضاء الناس بسخط الله وكلَهُ الله إلى الناس، والسلام عليك".

ومما يحقق للعبد السلامة في هذا الباب ان لا يجعل الدنيا مبلغ علمه وأكبر همه، وفي الحديث:"من جعل الهموم هماً واحداً هم المعاد كفاه الله هم دنياه، ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديته هلك". رواه ابن ماجه (3) .

وروى ابن أبي شيبة (4) عن أبي عون (5) قال:"كان أهل الخير إذا التقوا يوصي بعضهم بعضاً بثلاث، وإذا غابوا كتب بعضهم إلى بعض بثلاث: من عمل لآخرته كفاه الله دنياه، ومن أصلح ما بينه وبني الله كفاه الله الناس، ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته".

(1) "الفوائد"لابن القيم (ص/197) .

(2) (رقم: 2414) ورواه عقبة موقوفاً بإسناد أصح. وله شواهد ولذلك صححه الألباني في"صحيح الترمذي".

(3) (رقم: 4106) وغيره، وحسنه الألباني في"صحيح ابن ماجه" (207) .

(4) في"مصنفه" (7/ 217) .

(5) هو محمد بن عبيد الله بن سعيد الثقفي الكوفي أحد التابعين الثقات، له ترجمة في"تهذيب الكمال" (26/ 38) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام