هجوعها وسكونها، وسخرها له تحمل متاعه إلى البلدان الشاسعة، والأقطار البعيدة وكلُّ ذلك من رأفته ورحمته سبحانه، وليتنا نذكر رأفة الله بنا ورحمته وفضله ومنَّه بما سخر لنا في هذا الزمان من وسائل النقل الحديثة الحسنة في مركبها المريحة في تحركها وتنقلها، الجميلة في شكلها ومنظرها، والسريعة في سيرها، ويسر مع ذلك طرقها وذلل سبلها، وهيأ كل الوسائل المحققة للراحة فيها، ينتقل الناس عليها من مكان إلى مكان، ومن بلد إلى بلد بلا مشقة أو تعب، فله الحمد كما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه، وسعة جوده وبرِّه.
وقال تعالى: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمْ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ(46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) [النحل: 45 - 47] .
وفي هذا أن من رأفته سبحانه أنه لا يعاجل العاصين بالعقوبة، بل يمهلهم ويعافيهم ويرزقهم، وهم يؤذونه ويؤذون أولياءه، ومع هذا يفتح لهم أبواب التوبة، ويدعوهم إلى الإقلاع عن السيئات، ويعدهم بذلك أفضل الكرامات، ومغفرة ما كان منهم من ذنوب وخطيئات، أفلا يستحي المجرم من ربه الرؤوف الرحيم أن تكون نعم الله عليه نازلة في جميع اللحظات، متوالية عليه في كل الأوقات؛ وهو مكبٌّ على إجرامه، متمادٍ في غيِّه وعصيانه.
وقال تعالى: (أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحج: 65] .
فتسخير الله الأرض وما فيها من حيوانات ونباتات وجمادات، والفلك تجري في البحر بأمره تحمل الناس وتجاراتهم وأمتعتهم من محل إلى محل، وإمساكه سبحانه السماء أن تسقط على الأرض فتتلف ما عليها، وتهلك من فيها، كل ذلكم من رحمته ورأفته سبحانه بالعباد.
وقال تعالى: (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [النور: 20] ، قال ذلك سبحانه بعد بيانه لأحكامه العظيمة ومواعظه البليغة، ما يفيد أن هذا البيان النافع والشرع الحكيم هو من رأفة الله بالعباد ورحمته بهم.