قال ابن القيِّم رحمه الله:"... يعرف برّه سبحانه في ستره عليه حال ارتكاب المعصية مع كمال رؤيته له، ولو شاء لفضحه بين خلقه فحَذِرُوه، وهذا من كمال برِّه، ومن أسمائه:"البرّ"، وهذا البر من سيِّده عن كمال غناه نه، وكمال فقر العبد إليه، فيشتغل بمطالعة هذه المنة ومشاهدة هذا البر والإحسان والكرم، فيذهل عن ذكر الخطيئة، فيبقى مع الله سبحانه، وذلك أنفع له من الاشتغال بجنايته، وشهود ذل معصيته، فإن الاشتغال بالله والغفلة عما سواه هو المطلب الأعلى والمقصد الأسنى" (1) .
وما نبَّه عليه رحمه الله أمر يغفل عنه كثير من التائبين، فينشغلون بعظم الذنوب التي ارتكبوها وكثرتها ويغفلون عن ذكر سعة برِّ الله وعظم منِّه وجزيل كرمه.
ومن عظيم برِّه بعباده أنه سبحانه - مع كمال غناه - يفرح بتوبة التائبين وإنابة المنيبين، ففي"صحيح مسلم" (2) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لله أشدُّ فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلة بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه، فأيِسَ منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلِّها قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربُّك، أخطأ من شدة الفرح".
ولهذا الفرح شأنٌ لا ينبغي للعبد إهماله والإعراض عنه؛ إذ إن مطالعته من أعظم ما يُكسب القلب طمأنينة وشوقاً إلى الله ولهجا بذكره وشهوداً لبره ولطفه وكرمه وإحسانه، وأنه سبحانه أجود الأجودين وأكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين.
(1) "مدارج السالكين" (1/ 206) .
(2) (رقم: 2747) .