فهرس الكتاب
الصفحة 196 من 335

وبه يعلم أنَّ ما يفعله المعطِّلة من أهل البدع من تعطيلٍ للصفات وعدم إثبات لها وجحد لحقائقها ومعانيها بحجة أنهم يسبحون الله وينزهونه فهو في الحقيقة ليس من التسبيح والتقديس في شيء، بل هو إنكار وجحود، وضلال وبهتان.

قال ابن رجب رحمه الله في معنى قوله تعالى: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) [الحجر: 98] :"أي: سبحه بما حمد به نفسه، إذ ليس كل تسبيح بمحمود، كما أن تسبيح المعتزلة يقتضي تعطيل كثير من الصِّفات" (1) .

فقوله رحمه الله:"إذ ليس كلُّ تسبيح بمحمود"كلامٌ في غاية الأهمية، إذ إن تسبيح الله بإنكار صفاته وجحدها وعدم إثباتها أمر لا يحمد عليه فاعله، بل يذم غاية الذم، ولا يكون بذلك من المسبحين بحمد الله، بل يكون من المعطلين المنكرين الجاحدين، من الذين نزه الله نفسه عن قولهم وتعطيلهم بقوله: (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ(180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصافات: 180 - 182] ، فسبح الله نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل، وسلم على المرسلين لسلامة ما قالوه في حق الله من النّقص والعيب.

إن تسبيح الله وتقديسه وتنزيهه وتعظيمه يجب أن يكون وفق دلائل الكتاب والسنَّة وفي ضوء فهم سلف الأمة، ولا يجوز بحال أن يبنى على الأهواء المجردة أو الظنون الفاسدة أو الأقيسة العقلية الكاسدة كما هو الشأن عند أرباب البدع المعطلين لصفات الرب سبحانه زعماً منهم أن هذا من باب التسبيح والتقديس، ومن كان يعتمد في باب التسبيح والتعظيم على هواه بغير هدى من الله فإنه يزلّ في هذا الباب ويقع في أنواع من الباطل وصنوف من الضلال، ومن عافاه الله من هذا السبيل في تسبيحه فقد هدي إلى صراط مستقيم.

(1) "تفسير سورة النصر" (ص/73) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام