ولهذا كان رسل الله يتوجهون إليه بطلب الفتح بينهم وبين أقوامهم فيما حصل بينهم من الخصومة.
قال تعالى عن نوح عليه السلام: (قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ(117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الشعراء: 117 - 118] ، وذكر سبحانه من دعاء شعيب عليه السلام: (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ) [الأعراف: 89] ، وقال تعالى: (وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) [إبراهيم: 15] ، أي: استنصرت الرُّسل ربها على قومها، وقيل: استفتحت الأمم على أنفسها، أي: استعجلوا فتح الله وفرقانه وبين أوليائه وأعدائه.
قال ابن كثير رحمه الله:"ويحتمل أن يكون هذا مراداً وهذا مراداً" (1) .
وقد استجاب الله دعوات رسله عليهم صلوات الله وسلامه بالفتح بينهم وبين أقوامهم بالحق، فجاء أمره سبحانه بنصر الرسل عليهم السلام والمؤمنين، وإهلاك أعدائهم من الكفار الظالمين المعتدين.
ومن فتحه سبحانه حكمه بين العباد يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون، كما قال سبحانه: (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ) ، أي: أنه سبحانه يحكم بينهم حكماً يتبين به الصادق من الكاذب، والمحق من المبطل، والمستحق للثواب من المستحق للعقاب، ولهذا سمى تبارك وتعالى يوم القيامة بيوم الفتح في قوله: (قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ) [السجدة: 29] ، أي: يوم القيامة الذي يحصل به عقابكم إذا جاء انقضى الأمر ولم يحصل لكم فيه إمهال ولم يكن فيه للتدارك أيّ مجال.
هذا؛ وإنَّ إيمان العبد بأن ربَّه سبحانه هو الفتاح يستوجب من العبد حسن توجهٍ إلى الله وحده بأن يفتح له أبواب الهداية وأبواب الرزق وأبواب الرحمة، وأن يفتح على قلبه بشرح صدره للخير، قال سبحانه: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [الزمر: 22] .
(1) "تفسير ابن كثير" (/403) .