وأما فتحه القدري فهو ما يقدره على عباده من خير وشر ونفع وضر وعطاء ومنع، قال تعالى: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [فاطر: 2] ، فالرب تعالى هو الفتاح العليم، الذي يفتح لعباده الطائعين خزائن جوده وكرمه، ويفتح على أعدائه ضد ذلك، وذلك بفضله وعدله" (1) ."
وقال رحمه الله:"للفتاح معنيان: الأول: يرجع إلى معنى الحكم الذي يفتح بين عباده، ويحكم بينهم بشرعه ويحكم بينهم بإثابة الطائعين وعقوبة العاصين في الدنيا والآخرة، كقوله تعالى: (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ) [سبأ: 26] ، وقوله تعالى: (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ) [الأعراف: 89] ."
فالآية الأولى: فتحه بين العباد يوم القيامة، وهذا في الدّنيا بأن ينصر الحقَّ وأهله، ويذل الباطل وأهله، ويوقع بهم العقوبات.
المعنى الثاني: فتحه لعباده جميع أبواب الخيرات، قال تعالى: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا) الآية، يفتح لعباده منافع الدنيا والدِّين، فيفتح لمن اختصَّهم بلطفه وعنايته أقفال القلوب، ويدر عليها من المعارف الربانية والحقائق الإيمانية ما يصلح أحوالها وتستقيم به على الصراط المستقيم، وأخص من ذلك أنه يفتح لأرباب محبته والإقبال عليه علوماً ربانية وأحوالاً روحانية وأنواراً ساطعة وفهوماً وأذواقاً صادقة، ويفتح أيضاً لعباده أبواب الأرزاق وطرق الأسباب، ويهيِّئ للمتقين من الأرزاق وأسبابها ما لا يحتسبون، ويعطي المتوكلين فوق ما يطلبون ويؤمّلون، وييسّر لهم الأمور العسيرة، ويفتح لهم الأبواب المغلقة" (2) ."
(1) "الحق الواضح المبين" (ص/44 - 45) .
(2) "فتح الرحيم الملك العلام" (ص/48) . وتسمية الشيخ رحمه الله كتابه بهذا الاسم فيه مراعاة لهذا المعنى، واستشعار لهذه المنّة، وقد سبق إلى التسمية بفتح الله عز وجل في العلم بعض العلماء مثل:"فتح الباري"لابن رجب، و"فتح الباري"لابن حجر، و"فتح القدير"للشوكاني، و"فتح المجيد"لعبد الرحمن بن حسن رحم الله الجميع.