فثنيت له وسادة بين السماطين، فقال له مسلمة: أنت الذي دخلت على هاروت وماروت؟ ! فأرسل عينيه فبكى، ثم شف دموعه، فقال: إني كنت غلاما يافعا في حجر أمي، وكنت لا أدعو بشيء من الدنيا إلا أتيت به، فلما أدركت وعقلت قلت: يا أمه من أين لكم هذا المال؟ ! قالت: يا بني كل حلالا ولا تسأل، فأبيت عليها فأبت عليَّ، فقلت: إن لم تخبريني فجعتك بنفسي، فلما رأت الجد قالت: فإن أباك كان ساحرا، وإنه جمع هذا المال من السحر، قلت: فمن أين تعلمه؟ فأبت علي وأبيت عليها، فقالت: ما تريد إلى هذا؟ فأخبرتني أنه كان يختلف إلى نصراني ببابل (1) ، فارتحلت إليه حتى قدمت عليه، فلما نظر إليَّ قال: ما أَقْدَمَكَ؟ ما أظن أباك إلا قد ترك لك من المال ما لا يحتاج (2) إلى أحد، فقلت: إني أحب أن تدخلني على هاروت وماروت أنظر إليهما، فواعدني لشهر كذا في يوم كذا، فقال: إذا دخلت عليهما فلا تذكرنَّ للَّه اسما، قال: فذهب بي فرداني في الأرض ثلاثمائة وستين مرقاة ما أنكر من ضوء النهار شيئا، ثم قال: لا تذكرن للَّه اسما، فذهب فرقاني ثلاثمائة وستين مرقاة ما أنكر من ضوء النهار شيئا، فنظرت إليهما فإذا هما معلقين من السماء، منكوسين مُكَبَّلِين في الحديد، أعينهما مثل التِّرَسَة (3) ، ولهما أجنحة، فلما رأيتهما قلت: لا
(1) بلدة معروفة مشهورة بالعراق ينسب إليها السحر، معجم ما استعجم (1/ 218) ، معجم البلدان (1/ 309) .
(2) كذا، ولعلها:"ما لا تحتاج".
(3) جمع تُرْس، وهو ما يستتر به في الحرب، انظر لتفاصيل صنعتها وذكر أنواعها تاج =