وقال في المنافقين وهم صنف ثان {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون * اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله} [1] ، يعني جنة من القتل.
وقال سبحانه {سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم} [2] ، فأمر بقبول ظاهرهم، ولم يجعل لنبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يحكم عليهم بخلاف حكم الإيمان.
وقد أعلم الله نبيه أنهم في الدرك الأسفل من النار، فحكم الله تعالى عليهم على سرائرهم، وحكم نبيه عليهم في الدنيا على علانيتهم بإظهار التوبة وما قامت عليه بينة من المسلمين وبما أقروا بقوله وما جحدوا من الكفر، ما لم يقروا به، ولم يقم به عليهم بينة، وقد كذبهم في قولهم في كل ذلك وكذلك أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الله تبارك وتعالى.
وعن عدي بن الخيار أن رجلا سارَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يدر ما سارَّه حتى جهر النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو يشاوره في قتل رجل من المنافقين فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: (أليس يشهد أن لا إله إلا الله) ، قال: بلى ولا شهادة له، فقال - صلى الله عليه وسلم: (أليس يصلي) ، قال: بلى ولا صلاة له، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: (أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم) [3] .
وفي الحديث قال - صلى الله عليه وسلم: (أًمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله .... ) الحديث، وفيه (وحسابهم على الله) ، فحسابهم على الله بصدقهم وكذبهم وسرائرهم إلى الله العالم بسرائرهم، المتولي الحكم عليهم دون أنبيائه وحكام خلقه.
وبذلك مضت أحكام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بين العباد من الحدود وجميع الحقوق، أعلمهم أن جميع أحكامه على ما يظهرون، والله يدين السرائر.
(1) سورة (المنافقون) ، الآية: 1 ـ 2.
(2) سورة التوبة، الآية: 95.
(3) رواه الدارمي في سننه، ومالك في موطئه، وأحمد في مسنده.