تقدم بيان حكم موالاة الكفار ونصرهم ومؤازرتهم على المسلمين؛ وأنها كفر مخرج عن ملة الإسلام؛ وأنه لا يجوز لمسلم أن يكون وسط الكفار ولا من جنودهم؛ هذا فضلا عن أنه لا يجوز له الخروج معهم في قتال المسلمين.
وأما من كان وسط الكفار لغرض شرعي صحيح، فإنه يخرج من حكم أعوان وأنصار الكفار، وذلك مثل أن يكلف فرد من أفراد المسلمين بعمل فيه مصلحة للمسلمين مثل قتل طاغوت أو مفسد أو مؤذ أو غير ذلك من المصالح الشرعية المعتبرة.
فإنه والحالة هذه لا يكون كافرا، ومن عرف أمره لا يجوز له أن يعامله بأحكام الكفار بل هو مسلم مجاهد؛ والدليل على ذلك:
حادثة فيروز الديلمي رضي الله عنه؛ فإنه لما ادعى الأسود العنسي النبوة وارتد قوم من أهل اليمن واتبعوه حتى غلب على صنعاء تظاهر فيروز الديلمي بأنه من خاصته وأنصاره واحتال على قتله.
وقد ذكر البخاري حديثه وفيه قال: قال عبيد الله بن عبد الله: سألت عبد الله بن عباس عن رؤيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي ذكر، فقال ابن عباس: ذكر لي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (بينا أنا نائم أريت أنه وُضِع في يدي سواران من ذهب فقطعتهما وكرهتهما، فأذن لي في نفخهما فنفختهما فطارا، فأولتهما كذابين يخرجان) ، فقال عبيد الله: أحدهما العنسي الذي قتله فيروز باليمن والآخر مسيلمة الكذاب [1] .
قال ابن تيمية رحمه الله: ثم خرج فيروز الديلمي على الأسود العنسي وجاء الخبر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتله وهو في مرض موته، فخرج فأخبر أصحابه بذلك وقال: (قُتل
(1) كتاب المغازي، باب قصة الأسود العنسي، حديث رقم: 4379.