قال الله تعالى على لسان نبيه نوح عليه السلام {ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين} [1] .
والدلالة في الآية واضحة، فقد رتب نبي الله الحكم في هذه الآية على ظاهر إيمانهم، ورد علم ما في أنفسهم إلى العالم بالسرائر المنفرد بعلم ذات الصدور وعلم ما في النفوس، وبين أنه إن حكم بغير الظاهر فهو حينئذ من الظالمين.
وقال تعالى {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} [2] .
ووجه الدلالة في الآية أن الله تعالى نهى أن يُقدم الإنسان على شيء لا علم له به، ومن المعلوم أن الباطن والضمير لا يطلع عليه إلا الله تبارك وتعالى، فمن تكلف الحكم على الباطن وهو لا يعلمه فقد قفا ما ليس له به علم، ووقع فيما نهى الله عنه.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم) [3] .
وقال - صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله .... ) الحديث وفيه (وحسابهم على الله تعالى) ، فاكتفى منهم - صلى الله عليه وسلم - بالظاهر ووكل سرائرهم إلى الله تعالى.
وكذلك فعل بالذين تخلفوا عن الخروج معه واعتذروا إليه بأن قَبِل علانيتهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى.
وكذلك كان هديه - صلى الله عليه وسلم - في المنافقين دائما، فإنه كان يقبل ظاهر إسلامهم ويكل نياتهم إلى الله تعالى، ولم يجعل لنا في أحكام الشريعة علما بالنيات والمقاصد تترتب عليه
(1) سورة هود، الآية: 21.
(2) سورة الإسراء، الآية: 36.
(3) رواه البخاري ومسلم وأحمد، مع اختلاف يسير في الألفاظ.