أحكام الدنيا.
وقد جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الهازل كالجاد في النكاح والطلاق والرجعة وغير ذلك، وأبلغ من هذا قوله - صلى الله عليه وسلم: (إنما أقضي بنحو ما أسمع فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار) [1] .
فأخبر أنه - صلى الله عليه وسلم - يحكم بالظاهر وإن كان في نفس الأمر لا يحل للمحكوم له ما حكم به.
ويدل كل ما سبق على أن أحكام الدنيا إنما تجري على الظاهر، وإن كانت المقاصد والنيات مؤثرة فيها، ولكن بالاعتبار الأول فالحكم لما يظهر والله تعالى أعلم.
وقال الشافعي رحمه الله: فرض الله تعالى على خلقه طاعة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ولم يجعل لهم من الأمر شيئا، فأولى أن لا يتعاطوا حكما على غيب أحد بدلالة ولا بظن، لقصور علمهم عن علوم أنبيائه الذين فرض الله عليهم الوقوف عما ورد عليهم حتى يأتيهم أمره.
فإنه تعالى ظاهر عليهم الحجج فما جعل إليهم الحكم في الدنيا إلا بما ظهر من المحكوم عليه.
وفرض على نبيه أن يقاتل أهل الأوثان حتى يُسلموا فتُحقَن دماؤهم إذا أظهروا الإسلام، وأعلم أنه لا يعلم صدقهم بالإسلام إلا الله، ثم أطلع رسوله على قوم يظهرون الإسلام ويبطنون غيره.
فلم يجعل له أن يحكم عليهم بخلاف حكم الإسلام، ولم يجعل له أن يقضي عليهم في الدنيا بخلاف ما أظهروه، فقال لنبيه {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} [2] ، يعني أسلمنا بالقول مخافة القتل والسبي، ثم أخبرهم أنه يجزيهم إن أطاعوا الله ورسوله.
(1) رواه البخاري ومسلم ومالك في الموطأ وأحمد عن أم سلمة رضي الله عنها.
(2) سورة الحجرات، الآية: 14.