المسألة الرابعة:
اجتماع الطاعة والمعصية
وهذه المسألة أيضا من نتائج الخلاف بين أهل السنة وغيرهم في تعريف الإيمان، فقد اتفق أهل السنة على أنه يجوز أن يجتمع في العبد طاعة ومعصية وإسلام وجاهلية وتقوى وفجور، وقد قضت بذلك الأدلة الشرعية كما سيأتي بيانه.
وخالف في هذا بعض فرق المرجئة وكل فرق الخوارج فقالوا: لا يجتمع في العبد طاعة ومعصية ولا تقوى وفجور، فخالفوا بذلك المعقول والمنقول، ونحن نسوق بعض الأدلة التي تبين صحة مذهب السلف.
قال تعالى {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} [1] فسماهما الله تعالى مؤمنتين مع اقتتالهما،
وعن أبي بكرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار .... ) [2] الحديث، فسماهما النبي - صلى الله عليه وسلم - مسلمين مع وجود الاقتتال منهما، وذلك واضح في قوله - صلى الله عليه وسلم - (بسيفيهما) ، وهذا يدل على جواز اجتماع شعبة من شعب الإيمان وشعبة من شعب الكفر الأصغر في العبد دون أن يكون كافرا خارجا عن ملة الإسلام.
وعن واصل الأحدب عن المعرور قال: (لقيت أبا ذر بالربذة وعليه حُلة وعلى غلامه حلة، فسألته عن ذلك، فقال: إني ساببت رجلا فعيرتُه بأمه، فقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر أعيرتَه بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية) [3] ، فقد حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - على أبي ذر أنه فيه
(1) سورة الحجرات، الآية: 9.
(2) رواه البخاري ومسلم وأحمد عن أبي بكرة رضي الله عنه.
(3) رواه البخاري في كتاب الإيمان باب المعاصي من أمر الجاهلية ولا يكفر صاحبها إلا بالشرك، ورواه مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه.