روى البخاري رحمه الله عن عائشة رضي الله عنها قالت: استأذن رجل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (ائذنوا له، بئس أخو العشيرة، أو ابن العشيرة) ، فلما دخل أَلان له الكلام، قلت: يا رسول الله، قلتَ الذي قلت وألنت له الكلام؟ قال: (أي عائشة، إن شر الناس من تركه الناس - أو ودَعَه الناس - اتقاء فحشه) [1] .
قال ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث: قال القرطبي تبعا لعياض: والفرق بين المداراة والمداهنة أن المداراة بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معا؛ وهي مباحة وربما استحبت.
والمداهنة ترك الدين لصلاح الدنيا، والنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما بذل له من دنياه حسن عشرته والرفق في مكالمته؛ ومع ذلك فلم يمدحه بقول، فلم يناقض قوله فيه فعله. اهـ [2]
وقال أيضا رحمه الله: قال ابن بطال: المداراة من أخلاق المؤمنين وهي خفض الجناح للناس ولين الكلمة وترك الإغلاظ لهم في القول؛ وذلك من أقوى أسباب الألفة.
وظن بعضهم أن المداراة هي المداهنة فغلط، لأن المداراة مندوب إليها والمداهنة محرمة.
والفرق أن المداهنة من الدِّهان؛ وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه، وفسرها العلماء بأنها معاشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه.
والمداراة هي الرفق بالجاهل في التعليم وبالفاسق في النهي عن فعله، وترك الإغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه والإنكار عليه بلطف بالقول والفعل لا سيما إذا احتيج
(1) رواه البخاري في كتاب الأدب، باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد.
(2) فتح الباري، ج 10/ 454.