الفصل الأول:
التحاكم إلى الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - والرضا بأحكام الشرع شرط من شروط الإيمان
سبق القول أن الله تعالى هو المتفرد بالأمر والنهي والتدبير كما أنه المتفرد بالخلق، وسبق بيان أن من يعطون أنفسهم أو غيرهم حق التشريع للناس من دون الله تعالى قد شاركوا الله تعالى في أخص صفات الألوهية والربوبية وقد نازعوا الله تعالى في أسمائه وصفاته.
وفي هذا الفصل إن شاء الله تعالى نبين العلاقة بين الرضا بحكم الله تعالى والتحاكم إلى شرعه وبين توحيد الربوبية والألوهية والإيمان بالنبي - صلى الله عليه وسلم -.
الرضا بحكم الله وعلاقته بالربوبية
إن الرضا بأحكام الله تبارك وتعالى والتحاكم إلى شريعته سبحانه شرط من شروط الإيمان وأصل من أصوله التي لا يصح الإيمان إلا بها.
فإن الإسلام لله تعالى يقتضي من العبد الرضا بما قضى وقدر والرضا بما حَكَم وشرع، ذلك أن الخلق والأمر من أخص خصائص الربوبية وأجمع صفاتها، قال تعالى {ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين} [1] ، ولهذا فقد أجاب موسى عليه السلام على فرعون حينما سأله {فمن ربكما يا موسى} قال موسى {ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} [2] ، وقال إبراهيم الخليل في بيان صفة الرب تبارك وتعالى {الذي خلقني فهو يهدين} [3] .
وإن البشرية لم تبتلى في أطوارها المختلفة بمن نازع الله في الخلق أو تدبير الكون إلا قليلا، ولكنها عرفت من نازعه في أمره الشرعي كثيرا، فقد قال الله تعالى عن فرعون
(1) سورة الأعراف، الآية: 54.
(2) سورة طه، الآية: 50: 49.
(3) سورة الشعراء، الآية: 78.