أنه قال لقومه {ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد} [1] .
ولقد رد المشركون الأوائل دعوة رسلهم عليهم السلام بحجة أنها تخرجهم عن اتباع ما ورثوه من شرائع ودساتيرعن الآباء والأجداد، كما قال تعالى {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا} [2] ، فما أشبه الجاهلية القديمة بالجاهلية الحديثة.
وقد عرفت المدنية - الجاهلية - الحديثة كثيرا ممن نازع الله تعالى في أمره وشرعه، فأينما قلبت وجهك رأيت كثيرا من الآلهة الباطلة - المماثلة لفرعون - والتي تزعم أن لها حق التشريع للناس من دون الله تعالى، وأن المرجع الأخير إنما يكون لإرادة الشعب، فما حَكَمَ به الشعب أو نوابه فهو الحكم المهيمن على كل حكم سواه، ولو كان حكم الله تعالى، وهذا هو النظام السائد في كثير من البلدان التي تدعي أنها إسلامية، وهم يعتمدون النظام الديمقراطي الكفري، ويصرحون ليل نهار أنهم لا يرون عنه بديلا، وهذا كفر بالله العظيم وبدينه القويم.
ولا يتحقق توحيد الربوبية إلا بإفراد الله تعالى بالخلق والأمر والاعتراف له تعالى بالسيادة العليا والتشريع المهيمن، فلا حلال إلا ما أحله الله تعالى ولا حرام إلا ما حرمه سبحانه، ومن سوغ للناس شريعة غير شريعة الله تعالى فهو كافر مشرك قد نازع الله تعالى في أخص صفاته سبحانه وتعالى.
ولذلك فقد أخبر الله تعالى عن اليهود والنصارى أنهم اتخذوا الأحبار والرهبان أربابا من دون الله وهذه الربوبية لم تكن في الاعتراف لهم بالخلق أو الإحياء والإماتة وإنما كانت في إعطائهم حق التشريع والتحليل والتحريم، كما قال تعالى عنهم {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} [3]
إن الرضا بربوبية الله تعالى يعني الرضا بحاكمية الله تعالى المطلقة وهيمنة شريعته
(1) سورة غافر، الآية: 29.
(2) سورة البقرة، الآية: 170.
(3) سورة التوبة، الآية: 31.