فهرس الكتاب
الصفحة 364 من 393

المنزلة على كل الشرائع، ويعني أيضا التسليم المطلق لأمره تعالى الذي أرسل به رسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

ويعني كذلك التحاكم إلى دينه الذي أنزل دون شك أو تردد ولذلك فقد حكم الله تعالى على من نازعه في حق التحليل والتحريم أنهم لا يؤمنون بالآخرة وأنهم مكذبون بآيات الله تعالى وهم بربهم يعدلون.

قال تعالى {قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون} [1]

قال سيد قطب رحمه الله في بيان هذه الآية: هذا حكم الله على الذين يغتصبون حق الحاكمية ويزاولونه بالتشريع للناس دون اعتبار لدعواهم أن ما يشرعونه هو من شريعة الله وليس بعد حكم الله رأي لأحد في هذه القضية الخطيرة.

فإذا أردنا أن نفهم لماذا يقضي الله سبحانه بهذا الحكم؟ ولماذا يعدهم مكذبين بآياته، غير مؤمنين بالآخرة، مشركين يعدلون بربهم غيره ... ؟ فإن لنا أن نحاول الفهم، فتَدَبُّر حكمة الله في شرعه وحكمه أمر مطلوب من المسلم.

إن الله تعالى قد حكم على المشرعين للناس من عند أنفسهم - مهما قالوا أنه من شرع الله - بأنهم يكذبون بآياته، لأن آياته - إن كان المراد بها آياته الكونية - كلها تشهد بأنه الخالق الرزاق الواحد، والخالق الرزاق هو المالك، فيجب أن يكون وحده المتصرف الحاكم، فمن لم يفرده سبحانه بالحاكمية فقد كذب بآياته هذه.

وإن كان المقصود آياته القرآنية، فالنصوص فيها حاسمة وصريحة وواضحة في وجوب إفراده سبحانه بالحاكمية في حياة البشر الواقعية، واتخاذ شريعته وحدها قانونا وتعبيد الناس له وحده بالشرع النافذ والحكم القاهر.

كذلك حكم عليهم سبحانه بأنهم لا يؤمنون بالآخرة، فالذي يؤمن بالآخرة ويوقن أنه ملاق ربه يوم القيامة، لا يمكن أن يعتدي على ألوهية الله، ويدعي لنفسه حقه الذي

(1) سورة الأنعام، الآية: 150.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام