ما ذكرناه في المسألة الماضية من حكم الساب هو فيما إذا كان السب أو الاستهزاء أو التنقص بلفظ أو فعل صريح في ذلك.
وإن الحكم ليختلف إذا كان ذلك على وجه ليس بصريح؛ ولكنه محتمل للتنقص أو السب، فإما أن يلحق بالصريح إذا أيدت ذلك القرائن وأحوال من صدر منه ذلك.
وإما أن يهدر فلا يقتل صاحبه ولكن يعزر تعزيرا بليغا بما يناسبه، وذلك لأن أحكام الكفر والقتل لابد للحكم فيها أن يكون القول أو الفعل الموجب لها صريحا في الدلالة على الكفر أو القتل، ولا اعتبار للمحتملات في ذلك.
وهكذا يكون العمل في كل ألفاظ الكنايات في هذا الباب وغيره، فإما أن تلحق بالصريح وإما أن تهدر.
قال القاضي عياض رحمه الله: الوجه الرابع أن يأتي من الكلام بمجمل أو بلفظ من القول مشكل يمكن حمله على النبي - صلى الله عليه وسلم - أو غيره، أو يتردد في المراد به.
فها هنا مُتَردد النظر وحيرة العبر ومظنة اختلاف المجتهدين ووقفة استبراء المقلدين، ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة.
فمنهم من غَلَّب حرمة النبي - صلى الله عليه وسلم - وحمى حمى عرضه فجسر على القتل، ومنهم من عظم حرمة الدم ودرأ الحد بالشبهة لاحتمال القول. اهـ [1]
وقال القاضي عياض أيضا رحمه الله: وشاهدت شيخنا القاضي أبا عبد الله محمد ابن عيسى أيام قضائه أتِي برجل هاتَرَ رجلا ثم قصد إلى كلب فضربه برجله وقال له: قم يا محمد، فأنكر الرجل أن يكون قال ذلك وشهد عليه لفيف من الناس.
(1) شرح الشفا للقاضي عياض، ج 2/ 434. ط عيسى الحلبي.