فأمَر به إلى السجن وتقصى عن حاله، وهل يصحب من يُستراب بدينه؟ فلما لم يجد ما يقوي الريبة باعتقاده ضربه بالسوط وأطلقه. اهـ [1]
قال الشارح: إن خصم الرجل كان اسمه محمدا.
وقال القاضي عياض أيضا: ونزلت أيضا مسألة استفتى فيها بعض قضاة الأندلس شيخنا القاضي أبا محمد بن منصور رحمه الله في رجل تنقصه آخر بشيء فقال له: إنما تريد نقصي بقولك وأنا بشر وجميع البشر يلحقهم النقص حتى النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فأفتاه بإطالة سجنه إذ لم يقصد السب، وكان بعض فقهاء الأندلس أفتى بقتله. اهـ [2]
وسُئِل ابن تيمية رحمه الله عمن قال لشريف: يا كلب يا ابن الكلب لا تمد يدك إلى حوض الحمام، فقيل له: إنه شريف، فقال: لعنه الله ولعن من شرفه، فقيل له: أين عقلك إنه شريف، فقال: كلب ابن كلب، فقام إليه وضربه، فهل يجب قتله أم لا؟
فأجاب رحمه الله: ليس هذا الكلام بمجرده من باب السب الذي يُقتل صاحبه بل يستفسر عن قوله من شرفه.
فإن ثبت بتفسيره أو بقرائن حالية أو لفظية أنه أراد لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجب قتله.
وإن لم يثبت ذلك أو ثبت بقرائن حالية أو لفظية أنه أراد غير النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل أن يريد لعن من يعظمه أو يبجله أو لعن من يعتقده شريفا لم يكن ذلك موجب للقتل باتفاق العلماء.
فمن عُرِف من حاله أنه مؤمن ليس بزنديق، كان ذلك دليلا على أنه لم يرد النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ولا يجب قتل مسلم بسب أحد الأشراف باتفاق العلماء. اهـ [3]
(1) شرح الشفا للقاضي عياض، ج 2/ 984.
(2) شرح الشفا للقاضي عياض، ج 2/ 996.
(3) مجموع الفتاوى، ج 35/ 197: 198.