فهرس الكتاب
الصفحة 126 من 393

يفسدها صاحبها قبل الكمال، وكالصيام الذي يفطر صاحبه قبل الغروب، وصاحب هذا هو عند الله كافر، لعلمه بما يموت عليه، وكذلك قالوا في الكفر.

وهذا المأخذ مأخذ كثير من المتكلمين من الكلابية وغيرهم ممن يريد أن ينصر ما اشتهر عن أهل السنة والحديث: أنا مؤمن إن شاء الله، ويريد مع ذلك أن الإيمان لا يتفاضل إلى قوله رحمه الله:

وأما مذهب سلف أصحاب الحديث كابن مسعود وأصحابه والثوري وابن عيينة وأكثر علماء الكوفة ويحيى بن سعيد القطان فيما يرويه عن علماء البصرة وأحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة فكانوا يستثنون في الإيمان وهذا متواتر عنهم.

لكن ليس في هؤلاء من قال أنا استثني لأجل الموافاة، بل صرح أئمة هؤلاء بأن الاستثناء إنما هو لأن الإيمان يتضمن فعل الواجبات فلا يشهدون لأنفسهم بذلك، كما لا يشهدون لها بالبر والتقوى، فإن ذلك مما لا يعلمونه وهو تزكية لأنفسهم بلا علم.

وأما الموافاة فما علمت أحداً من السلف علل بها الاستثناء، ولكن كثيرا من المتأخرين يعلل بها من أصحاب الحديث من أصحاب أحمد ومالك والشافعي وغيرهم.

والمأخذ الثاني في الاستثناء: أن الإيمان المطلق يتضمن فعل ما أمر الله به عبده كله وترك المحرمات كلها.

فإذا قال الرجل أنا مؤمن بهذا الاعتبار فقد شهد لنفسه أنه من الأبرار المتقين القائمين بفعل جميع ما أمروا به وترك كل ما نهوا عنه فيكون من أولياء الله، وهذا من تزكية الإنسان لنفسه وشهادته لنفسه بما لا يعلم.

ولو كانت هذه الشهادة صحيحة لكان ينبغي له أن يشهد لنفسه بالجنة إن مات على هذا الحال، ولا أحد يشهد لنفسه بالجنة، فشهادته لنفسه بالإيمان كشهادته لنفسه بالجنة إذا مات على هذا الحال، وهذا مأخذ عامة السلف الذين كانوا يستثنون.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام