أمة الإسلام، إن سفر المسلم لديار غير المسلمين لغير غرض شرعي ترجحت مصلحته وظهرت فائدته لهو ضرر محض على الدين والنفس والعرض والمثل والأخلاق والقيم، فإنه مع ما يُظن من معاقرةٍ لأنواع من الفواحش والمنكرات وتضييع للفرائض والواجبات مخاطرةٌ بالنفس غير مأمونة بتعريضها لمواطن الرِيَب والشبهات وأماكن الهلكات وبُؤَر الدركات، هذا فضلاً عما يحيط بالمرء من أخطار لصوص القلوب وسارقي الجيوب والغفلة عن راقبة علام الغيوب.
ألا فليتذكر هؤلاء وأولئك الموت والفناء، وليشعروا بمآسي إخواننا المسلمين البرآء، في فلسطين وكشمير والشيشان وكُسُفا، فأين الأحاسيس المرهفة والمشاعر الفياضة؟! فأناس يحملون قضايا أمتهم ويفكرون بمآسي إخوانهم في العقيدة، وآخرون كثيرون يفكِّرون في قضاء إجازاتهم في منتجعاتٍ ما، فالله المستعان.
وإن مما يتذرّع به بعض الناس للسفر والرحلات دعواهم الاصطياف والسياحة، وما أدراكم ما السياحة، لفظةٌ براقة وعبارة أخَّاذة، لها دلالاتها الشرعية، فكم كان أسلافنا يجوبون الأرض شرقاً وغرباً، جهاداً في سبيل الله ودعوة إلى دين الله بأقوالهم وأفعالهم وسلوكم وأخلاقهم وحسن تعاملهم. نعم لاستثمار السياحة في هذا المقصد الشرعي. إننا جميعاً مع السياحة بمفهومها النقي المنضبط بضوابط الشريعة والآداب المرضية.
غير أن مما يبعث على الأسى أن في الأمة منهزمين كُثُرا، عبُّوا من ثقافة الغير عباً حتى ثملوا، وزعموا وبئس ما زعموا أن السفر والسياحة لا يمكن أن تتحقق إلا بأيام سوداء وليالٍ حمراء ومجانبة للحياء. إن الولوغ في هذه المياه العكرة والانسياق وراء أمراض الأمم المعاصرة وأدواء المجتمعات المنحرفة وإفرازاتها المنتنة لا يمكن أن يقبله ذوو النفوس المؤمنة والمجتمعات المحافظة.
نعم لسياحة التأثير لا التأثُّر، والاعتزاز لا الابتزاز، والفضيلة لا الرذيلة، والثبات لا الانفتاح والانفلات. كيف وقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن أعداء الإسلام يستهدفون أبناء المسلمين السائحين للوقيعة بهم والنيل من أخلاقهم وعقيدتهم عن طريق الغزو الفكري والفساد الأخلاقي، ويستغلون كثيراً من السائحين اقتصادياً وخلقياً، ويجرونهم رويداً رويداً إلى حيث الخنا والفجور والمخدرات والخمور، بل قد يرجع بعضهم متنكراً لدينه ومجتمعه وأمنه وبلاده. أين العقول المفكرة عن الإحصاءات المذهلة من مرضى الإيدز ومن عصابات وشبكات الترويج للمسكرات والمخدرات؟!
إننا نناشد المسافرين والسائحين أن اتقوا الله في أنفسكم وفي أسركم وفي مجتمعاتكم وأمتكم، ونذكِّرهم قبل أن يرفعوا أقدامهم: فكِّروا قبل أن ترفعوا أقدامكم، فكروا أين تضعوها.