فهرس الكتاب
الصفحة 376 من 477

الخطبة الأولى

الحمد لله الحفيظ العليم؛ امتن ي، ونشكره على عباده بالنعم والخيرات، ودرأ عنهم السوء والمكروهات، وهداهم إلى نفعهم في الحال والمآل، ورزقهم الأمن والعافية والمال، نحمده على ما أعطانا ما على ما أولانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ تفرد بربوبيته وألوهيته عن الأنداد والشركاء، وفي أسمائه وصفاته عن النظراء والأمثال، فتبارك اسمه، وتعالى جده، ولا إله غيره، سبحانه وبحمده. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ اصطفاه الله تعالى للعالمين نبيا ورسولا، وبعثه إلينا بشيرا ونذيرا؛ فعرَّفنا الطريق إلى ربنا، وعلمنا ما ينفعنا وما يضرنا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ أعلى الله تعالى ذكرهم، ورفع قدرهم، وترضى عنهم، وجعلهم خيار أتباع خاتم رسله صلى الله عليه وسلم، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فأوصي نفسي وإياكم -أيها المسلمون- بتقوى الله عز وجل في السر والعلن، والحضر والسفر، وفي حال الضعف والقوة، والفقر والغنى، والمرض والصحة، والخوف والأمن؛ فإننا فقراء إلى الله تعالى، محتاجون إليه في كل شئوننا وأحوالنا، عاجزون عن تدبير أمورنا، فلا حول لنا ولا قوة إلا بربنا جل في علاه [يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى الله وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى الله بِعَزِيزٍ] {فاطر:15-17} .

أيها الناس: من عظيم فضل الله تعالى، وامتداد نعمه على عباده أن سخر لهم الأرض وما عليها، فهم يسيرون فيها حيث شاءوا بأمر الله تعالى وتقديره [هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ] {يونس:22} وهيأ سبحانه لهم من المراكب ما ينقلهم في أسفارهم في برهم [وَالخَيْلَ وَالبِغَالَ وَالحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ] {النحل:8} وفي بحرهم [وَسَخَّرَ لَكُمُ الفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي البَحْرِ بِأَمْرِهِ] {إبراهيم:32} .

وفي عصرنا هذا فُتح للبشر في المراكب ما لم ُيفتح للسابقين منهم، في سرعة سيرها، وراحة مركبها، حتى بلغ الإنسان بها عنان السماء، وارتقى إلى الفضاء، وقطع من الفيافي والقفار في ساعات معدودة ما عزَّ على السابقين طيه في أشهر وسنوات، وهي المراكب الحديثة التي أشار الله تعالى إليها عقب ذكره جل وعلا ما عهده أهل الخطاب بالقرآن من الخيل والبغال والحمير فقال سبحانه [وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ] {النحل:8} وهي السيارات والطائرات والقطارات، وما يستجد من المراكب إلى آخر الزمان.

وهذه الوسائل الحديثة التي قرَّبت المسافات، وخففت أعباء السفر ومشقته شجعت بني آدم على كثرة الأسفار، والارتحال بين البلدان لأغراض شتى، ومن طبع الإنسان محبته التجديد في حياته، والترويح عن نفسه وأهله وولده، واكتشاف ما لا يعلم من عجائب خلق الله تعالى، فكان ذلك من أهم أغراض السفر ومقاصده.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام