والسفر قطعة من العذاب كما جاء في الحديث الصحيح، ومن عذابه ما يحتف به من مخاطر الطريق، واشتداد الغربة، وقلة المعين والنصير، وطمع المجرمين في المسافرين والغرباء، وكل هذه المخاطر تحيط بالمسافر منذ ذهابه إلى إيابه.
ومع وسائل المواصلات الحديثة زادت مخاطر الطريق على ما كان معهودا من قبل بسقوط الطائرات، وغرق البواخر، فيهلك من كان فيها.
وأكثر من ذلك حوادث السيارات التي تحصد الأرواح، وتفني الأسر، وتفجع الناس. وتزداد الحوادث، ويكثر الموت بها في المناسبات والإجازات بكثرة المتنقلين والمسافرين، وازدحام الطرق، واستعجال السائقين، والانخداع بإتقان صنعة المراكب وسرعتها، واستقامة الطرق واتساعها، حتى أفاد القائمون على المرور والطوارئ ومغاسل الموتى: «أن الناس لو علموا كم تحصد السيارات من الأرواح لهابوا سفرا بها» ولكنها حكمة الله تعالى في خلقه؛ فلا يرى أكثرهم الجنائز يؤتى بها إلى المقابر، ولا المصابين إلى الإسعاف، ولا يشهدون من تلك الحوادث المفجعة إلا ما وافقوه في طرقهم، وهو قليل بالنسبة لما لم يشاهدوه، ولم يعلموا عنه شيئا، فتوجل قلوبهم، وتتحرك ألسنتهم بالاسترجاع والدعاء، ولا يتعظون إلا قليلا ثم ينسون، ويسيرون كما سار غيرهم، ولا حافظ إلا ربنا جل جلاله، ولا يقع شيء إلا بأمره.
إن الحافظ هو الله تعالى؛ كما قال سبحانه [وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ] {سبأ:21} وقال يعقوب عليه السلام لما فقد يوسف وخشي أن يفقد أخاه معه [فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ] {يوسف:64} .
وقد أوكل عز وجل بالعباد ملائكة يحفظونهم من المخاطر والمفاجئات؛ كما قال سبحانه [وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً] {الأنعام:61} وفي آيةٍ أخرى [لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله] {الرعد:11} .
ولا أحد يحفظ من الله تعالى [قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ] {الأنبياء:42} وفي آية أخرى [قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ الله إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً] {الأحزاب:17} وفي آية ثالثة [قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ الله شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا] {الفتح:11} .
وأولى الناس بحفظ الله تعالى ورعايته في حلهم وترحالهم، وفي حال الأمن والخوف هم من حفظوا أوامر الله تعالى ففعلوها، وحفظوا نواهيه فاجتنبوها؛ كما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابن عباس رضي الله عنهما: «يا غُلَامُ إني أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ الله يَحْفَظْكَ احْفَظْ الله تَجِدْهُ تُجَاهَكَ» رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.
وفي حفظ الأوامر قولُ الله تعالى [وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ] {المؤمنون:9} وقد جاءت في القرآن ثلاث مرات مما يدل على أهميتها، وفي حفظ النواهي قولُ الله تعالى [وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ] {المؤمنون:5} وتكررت في القرآن مرتين.