فهرس الكتاب
الصفحة 56 من 477

ماجد بن عبد الرحمن الفريان

الخطبة الأولى

أما بعد، فيا عباد الله اتقوا الله حق التقوى.

معاشر المسلمين، يعد كثير من الناس الإجازة متنفساً لهم بعد عناء الدراسة، ورحلة الامتحانات، ويختلفون في قضاء أوقاتهم تفاوتاً عظيماً كما بينهم من التفاوت في العقول والثقافات والأرزاق ونحو ذلك؛ لكن الإجماع منهم ينعقد على شيء من الترويح عن النفس، والتوسعة على العيال، والبحث عن المتنزهات المناسبة القريبة في مدينتهم، أو البعيدة عن طريق السفر إليها، وكثير أولئك الذين يفضلون الضرب في مناكب الأرض، ويرون في الأسفار متنفساً يروحون به عن أنفسهم ويعبرون به عن فرحتهم.

وهكذا يسيرون في أرض الله متفكرين ومتدبرين ومتأملين، في عجيب المخلوقات وبديع الكائنات، مما يزيدهم معرفة بربهم ويقيناً بأن لهذا الكون مدبراً لا رب غيره ولا معبود بحق سواه.

معاشر المسلمين، ومع دعائنا بالحفظ والرعاية للمتنزهين والمسافرين إلا أنا ندعوهم إلى معرفة شيء من آداب الرحلة والنزهة والسفر.

وحديثي اليوم مع الذين اختاروا هذه البلاد وما شابهها، أما الذين آثروا السفر والنزهة في بلاد الكفار فليس لي معهم كلام هذا اليوم (وقد أفردتهم بخطاب سابق أسأل الله أن ينفعهم به) .

معاشر المسلمين، ولعلي أبادر إلى شيء من الآداب فأقول: إن السفر والنزهة في هذه الآونة يختلف عنه في أزمان مضت، فقد مهدت الطرق وجرت عليها العربات الآلية بشتى أنواعها المبدعة، فهي تسير بهم على الأرض إن شاؤوا أو تقلهم الطائرات السابحة في الهواء إن رغبوا، أو تحملهم الفلك المواخر في البحر إن أرادوا.

كما أن الأزمنة قد تقاصرت، فما كان يتم في شهور بشق الأنفس أضحى يتم في أيام قصيرة بل ساعات قليلة، وبجهود محدودة.

ومع هذه الراحة الميسرة إخوة الإسلام إلا أن الأخطار المبثوثة في البر والبحر والجو لم تنعدم؛بل إنها في ازدياد عن ذي قبل، مما يؤكد الأدب الأول وهو الاحتماء بالله وارتقاب لطفه واللجوء إليه وعدم مبارزته بالمعاصي ونحوها من المقاصد السيئة والأعمال الرديئة، وهذا أمر يغفل عنه كثير من المتنزهين والمسافرين، فتجد من البعض إعراضاً عن مراقبة الله - تعالى -، بل إن بعضهم ـ ولا قوة إلا بالله ـ يخيل إليك عند النظر في أفعاله أنه في نجوة من الحساب أوقد أفلت من قبضة الكريم - سبحانه -، ولذا تجد القليل منهم من يوفق، بل إن بعضهم لتقدر عليه الأقدار المؤلمة، ثم يختم له بالخاتمة السيئة والعياذ بالله.

معاشر المسلمين، ومن الآداب أيضاً، أن يستحضر النية الطيبة بالسفر والنزهة بأن ينوي التقوِّيَّ على طاعة الله - تعالى -، والتوسعةَ على العيال، وإدخالَ السرور عليهم، وإن حصل له أن يزور أحد الحرمين الشريفين، فهو أولى وأكمل فيعتمرَ أو يزورَ مسجد النبي ليحصل بذلك على الأجر العظيم؛ وليكون سفرُه سفرَ طاعةٍ من أحسن أنواع الأسفار.

معاشر المسلمين، ومن الآداب أيضاً، الاستخارة في أمر نزهتك وسفرك فإن الإنسان لا يدري عن أمره هذا؟؟ أهو خير له؟؟ أم فيه عطبه؟؟.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام