فهرس الكتاب
الصفحة 159 من 477

الشيخ. ناصر بن محمد الأحمد

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله..

أما بعد:

أيها المسلمون: إن السفر في هذه الأيام أصبحت ظاهرة اجتماعية تحتاج إلى نقاش ودراسة من قبل متخصصين في عدد من المجالات، وكأن السفر في الإجازة الصيفية صار لازماً، وهذا ليس بصحيح، فالسفر في الإجازة ليس أمراًً واجباً، والذين لا يسافرون ليسوا على خطأ إذ الأصل هو الإقامة والاستقرار.

تذهبُ إلى المطارات فتجدُ أرسالاً من البشر وفئاماً من الناس يسابقون الريح، وينافسون الآلات سرعةً واشتغالاً، قد حملوا حقائبهم، ونقلوا أغراضهم، وأعدوا عدتهم لأسفارٍ كثيرة ورحلاتٍ طويلة.

اشرأبت أعناقهم، وتطلعت أنفسهم إلى سياحة أثيرة، وتنقلات مثيرة، مع تباين في حقيقة أسفارهم واختلافٍ في آرائهم وأفكارهم. ويتملّكك العجب وأنت تقرأ عن السفر والمسافرين الإحصاءات المذهلة والأرقام الهائلة، ولا ينتهي عجبك وأنت ترى تلك الوفود، وقد أُقفلت الحجوزات، وتزاحمت على البوابات، وتسارعت لامتطاء المركبات، وكل ما يستهويهم هو تحقيق الرغبات.

بل لعل بعضهم ينسى في سبيل ذلك عقيدته وقيمهُ وأخلاقه، فيجعلها في عداد المخلَّفين والمخلَّفات، ولا يمنحها تأشيرة سفرٍ معه، فينزع رداء التقوى وجلباب الحياء قبل أن يطاول الفضاء.

أيها المسلمون: إن الإسلام لا يحجّر على أتباعه أن يروّحوا عن أنفسهم، أو يدخلوا السرور على أهليهم وأبنائهم، وأن يعملوا بالوسائل المباحة في ذلك شرعاً، فالترفيه البريء، والترويح المباح لا غضاضة على الإنسان فيه، بل قد يكون مطلوباً أحياناً لأغراض شرعية، وأهداف مرعية، لكن يجب أن يكون كل ترفيه وترويح في حدود ما هو مباح شرعاً، أما أن يُستغلّ ذلك فيما يُضعف الإيمان، ويهزّ العقيدة، ويخدش الفضيلة، ويوقع في الرذيلة، ويقضي على الأخلاق والقيم والمثل فلا وكلا.

أيها المسلمون: السفر على قسمين: سفر هرب، وسفر طلب.

فسفر الهرب: كأن تسافر من شر تهرب منه حفاظاً على نفسك أو دينك أو أهلك أو مالك، ومن أمثلة ذلك: الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام، ومنها الخروج من دار الكفر والبدعة التي لا يقدر الإنسان على ردها وإنكارها، قال الله - تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [ (140) سورة النساء] ، وقال - تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [ (68) سورة الأنعام] ، وروي عن مالك - رحمه الله - أنه قال:"لا يحل لأحدٍ أن يقيم بأرض يسب فيها السلف".

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام