فهرس الكتاب
الصفحة 60 من 477

د. حسن عبدالغني أبو غدة

كلية التربية - جامعة الملك سعود

إن من أجل نعم الله - تعالى - على عباده نعمة الوقت، فهو زمن حياة الإنسان وعمره، به أقسم الله - تعالى -فقال: {والعصر (1) إن الإنسان لفي خسر (2) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} [العصر: 1 - 3] .قال الإمام الرازي - رحمه الله: أقسم الله - تعالى -بالعصر وهو عموم الزمن؛ لما فيه من نفاسة الحياة وغلائها، التي ينبغي على الإنسان ألا يضيعه.هذا، ولعظم قيمة الوقت وأهمية الفراغ فيه قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه البخاري وغيره: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) . فالفراغ نعمة كبرى ومنحة جلى، لا يقدرها حق قدرها ويستفيد منها إلا العقلاء، وهم قلة، ولذلك قال: مغبون فيهما كثير من الناس، أي: مقصر وخسران، لأنه من غفل عن الفراغ وضيعه، ذهبت أيام حياته هدرا، ولم تنفعه الحسرة وتمنى رجوعه.

إن الإحساس بقيمة الفراغ وأهمية الاستفادة منه، يتفاوت من شخص إلى آخر، ويختلف من مجتمع إلى مجتمع، ولم يعرف التاريخ أمة اهتمت بالوقت واستفادت من الفراغ وعظمت شأنه كهذه الأمة الإسلامية، قال ابن عقيل من كبار فقهاء الحنابلة، وأحد أذكياء البشر كما في كتاب: (قيمة الزمن عند العلماء) : إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري، فإذا تعطل لساني عن قراءة أو مناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملت فكري في حال راحتي وأنا منطرح، فلا أنهض إلا وخطر لي ما أسطره، وإني لأجد من حرصي على الوقت والعلم وأنا في الثمانين، أشد مما كنت أجده وأنا في العشرين.

وها نحن قد حلت بنا الإجازة الصيفية، بدقائقها وساعاتها ولياليها وأيامها الطويلة، التي يمكن أن يجعل منها كثير من طلابنا وطالباتنا وشبابنا وفتياتنا، أراضي خصبة تزرع بكل مفيد ممتع، يعود عليهم وعلى مجتمعهم بالخير والبر والعطاء، ويمكن ألا يكون كذلك، فتضيع أوقاتهم في نوم النهار وترك الواجبات الدينية والاجتماعية، ثم سهر الليل في الصخب واللعب وإزعاج الآخرين، بين لهو وضياع وثرثرة فارغة، ونزاعات وخصومات وقتل للأوقات، على حين تعمل مجتمعات أخرى وتكدح في كل دقيقة، بل في كل ثانية، من أجل زيادة أسباب العلم والمعرفة والقوة ودوام التقدم علينا، مع أن ديننا أمرنا باستثمار الوقت والاستفادة من الفراغ، ولا أدل على ذلك من أن الله - تعالى -أقسم به؛ تعظيما لشأنه وتقديرا لقيمته...

إننا مدعوون إلى أن نكون كأسلافنا في تأكيد وجودنا في العالم، ماضين باسم الله وعلى بركته، نصنع طريق المجد ومعبر الخلود، بالعمل الجاد المثمر، واضعين نصب أعيننا قول الله - تعالى: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون} [التوبة: 105] .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام