عبد الرحمن السديس
الخطبة الأولى:
أما بعد: فأوصيكم ـ عباد الله ـ ونفسي بتقوى الله - عز وجل - في كل ما نأتي ونذر، والاستجابة له - سبحانه - في كل ما نهى وأمر، ولزوم تقواه في الحضر والسفر، لتكن التقوى شعارنا ودثارنا: اتق الله حيثما كنت.
أيها المسلمون، قضيةٌ مهمةٌ وخطيرةٌ وظاهرة اجتماعية مؤرِّقة وكبيرة جديرةٌ برسم الخطط والمناهج، وإعداد العدد والبرامج، لتأصيلها والعناية بها وبذل مزيد من الجهد حيالها والاهتمام بها.
تلكم هي ما يحصل في مثل هذه الأيام من كلّ عام، حيث تشتد حرارة الصيف ويُلقي بسمومه اللافح على بعض أقطار المعمورة، مما يحمل كثيراً من الناس على الهروب إلى المصائف والمتنزَّهات، والفرار إلى الشواطئ والمنتجعات، والعزم على السفر والسياحة، وشدّ الأحزمة للتنقل والرحلات.
تذهبُ إلى المطارات فتجدُ أرسالاً من البشر وفئاماً من الناس يسابقون الريح وينافسون الآلات سرعةً واشتغالاً، قد حملوا حقائبهم ونقلوا أغراضهم وأعدوا عدتهم لأسفار كثيرة ورحلات طويلة. اشرأبت أعناقهم وتطلعت أنفسهم إلى سياحة أثيرة وتنقلات مثيرة مع تباين في حقيقة أسفارهم واختلافٍ في آرائهم وأفكارهم. ويتملّكك العجب وأنت تقرأ عن السفر والمسافرين الإحصاءات المذهلة والأرقام الهائلة، ولا ينتهي عجبك وأنت ترى تلك الوفود وقد أقفلت الحجوزات وتزاحمت على البوابات وتسارعت لامتطاء المركّبات، وكل ما يستهويهم هو تحقيق الرغبات. بل لعل بعضهم ينسى في سبيل ذلك عقيدته وقيمهُ وأخلاقه، فيجعلها في عداد المخلَّفين والمخلَّفات، ولا يمنحها تأشيرة سفرٍ معه، فينزع رداء التقوى وجلباب الحياء قبل أن يطاول الفضاء.
وفي خضمِّ هذه المشاهد والمناظر ودوَّامَة تلك الأحوال والمظاهر، وحيث إن الإجازة الصيفية هي الوقت الذي يحلو فيه السفر وتعذب فيه الرحلات ويُحرَّك فيه عصا الحِلّ والترحال والسفر والانتقال تعالوا ـ يا رعاكم الله ـ لنضع هذه القضية على الميزان الشرعي، ونعرضها على كتاب الله وسنة رسوله، مع إلماحةٍ إلى واقع بعض الناس فيها، وبيان الآثار السلبية عند غياب الضوابط الشرعية في هذه القضية الواقعية، ولنذكر أنفسنا وإخواننا المسلمين ببعض الوصايا النافعة والملامح الماتعة التي ينبغي أن يتذكرها المسافرون في أسفارهم والمرتحلون في تنقلاتهم.
إخوة العقيدة، إن الإسلام لا يحجر على أتباعه أن يروّحوا عن أنفسهم، أو يدخلوا السرور على أهليهم وأبنائهم، وأن يعملوا بالوسائل المباحة في ذلك شرعاً. فالترفيه البريء والترويح المباح لا غضاضة على الإنسان فيه، بل قد يكون مطلوباً أحياناً لأغراض شرعية، وأهداف مرعية، لكن يجب أن يكون كل ترفيه وترويح في حدود ما هو مباح شرعاً، أما أن يُستغلّ ذلك فيما يُضعف الإيمان ويهزّ العقيدة ويخدش الفضيلة ويوقع في الرذيلة ويقضي على الأخلاق والقيم والمثل فلا وكلا.