فهرس الكتاب
الصفحة 181 من 477

منير عتيبة

تندرج تحت اسم"أدب الرحلات"مجموعة كبيرة من الكتابات المختلفة في نواحٍ متعددة من حيث أسلوب الكاتب، ومنهج الكتابة، والغرض من الكتابة، والجمهور الذي يتوجه إليه الكاتب، واهتمامات كل منهما- الكاتب وجمهوره..إلى غير ذلك.. لكن هذه الكتابات تشترك كلها في أنها تصف رحلة يقوم بها شخص ما إلى مكان ما لسبب ما.. لهذا لا يعتبر الدكتور أحمد أبو زيد (1) الكثير من الكتابات الأنثروبولوجية من أدب الرحلات، برغم أن عمل الأنثروبولوجي يقوم أساساً على الانتقال من مجتمعه إلى مجتمع آخر ليقيم فيه ويدرسه عن قرب؛ للتعرف على عاداته وتقاليده وأساليب معيشته وأنساق البناء الاجتماعي فيه والقيم التي تحكمه إلخ.. وسبب رأى الدكتور أحمد أبو زيد هو أن الأنثروبولوجيين"لا يهتمون بتسجيل رحلاتهم ويقنعون بدراسة وتحليل وتفسير الأنساق الاجتماعية والأنماط الثقافية في تلك المجتمعات"؛ لذلك تكون كتاباتهم"على درجة عالية من التجريد الذي يكاد يقطع الصلة بينها وبين الواقع المشاهد الملموس".. فهو هنا يجعل الاهتمام بتفاصيل وقائع الرحلة شرطاً أساسيًّا لاعتبارها من أدب الرحلات؛ لأن تلك التفاصيل هي التي تعطي القارئ الفرصة لتوحيد ذاته بذات الرحالة، وكأنه هو نفسه يقوم بالرحلة من خلال قراءته لتفاصيلها وأحداثها.

نشط أدب الرحلات أساساً على أيدي الجغرافيين والمستكشفين الذين اهتموا بتسجيل كل ما تقع عليه عيونهم أو يصل إلى آذانهم حتى لو كان خارج نطاق المعقول، ويدخل في باب الخرافة.. حتى أن الدكتور صلاح الدين الشامي (رئيس قسم الجغرافيا بجامعة صنعاء) يرى أن:"الرحلة في البر أو الرحلة في البحر هي العين المبصرة التي قادت الاجتهاد الجغرافي".

وقد ازدهر أدب الرحلات العربي مع ازدياد الفتوحات واتساع رقعة الدولة الإسلامية وانتشار الأمن بين ربوعها.. فعرفنا الرحالة العظام أمثال: ابن بطوطة وابن جبير والمسعودي والإدريسي وغيرهم.. أما في الغرب فالعصر الذهبي لأدب الرحلات كان هو عصر المستكشفين الكبار فاسكو داجاما وماجلان وكولومبوس..

وبالإضافة إلى تسجيل رحلات الرحالة، هناك نوع آخر من أدب الرحلات هو القصص الخيالية الشعبية مثل: سندباد الذي يُعد رمزاً للرحالة المدمن للرحلة.. والقصص الأدبية مثل: قصة ابن طفيل عن"حي بن يقظان".. و"رسالة الغفران"لأبى العلاء المعرى.. و"روبنسون كروزو"لدانيل ديفو.. و"رحلات جليفر"لجوناثان سويفت.. إلخ

والملاحم الشعرية والأدبية الكبرى في تاريخ الإنسانية تعد كذلك من أدب الرحلات، مثل: ملحمة الأوديسا الإغريقية.. وملحمة جلجامش البابلية، وملحمة أبو زيد الهلالي العربية.. وغيرها؛ لأن هذه الملاحم تنبني في جوهرها على حكاية رحلة يقوم بها البطل لتحقيق هدف معين، وقد تنبني تلك الرحلات الأسطورية على بعض الوقائع التاريخية أو الشخصيات الحقيقية في عصر ما، ثم يترك الشاعر لخياله العنان؛ ليخلق الملحمة التي هي خلاصة رؤية المجتمع لقضاياه الكبرى في مرحلة زمنية معينة.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام