فهرس الكتاب
الصفحة 67 من 477

الحمد لله الذي بيده المحيا والممات ، عالم غيب الأرض والسموات ، وفق عباده المتقين لاغتنام الأوقات ، فيما فيه السعادة في الدنيا وبعد الممات ، أحمده سبحانه فهو المرتجى وحده في الصغائر والمهمات ، وأشكره جل جلاله شكر من يرجو الخروج إلى النور بعد الظلمات . أشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له شهد بوحدانيته الحجر والنبات ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله قدوة القدوات وخير البريات فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا .

أما بعد: فهذا ربكم معاشر من أمنتم بالله الواحد الأحد يناديكم فيقول: يآأيها الذين ءآمنوا اتقوا الله ولتنظر نفساً ما قدمت لغدٍ واتقوا الله إن الله خبيرٌ بما تعملون ، وصية من الرحمن الرحيم إلى كل عبد مؤمن لينظر كيف قضى أوقاته بما عمَّر زمانه ، وهو تنبيه من الباري جلت قدرته لأهمية عنصر الزمن في حياة المسلم وأنه رأس ماله فإن أحسن استغلاله فاز بالرضوان وبنعيم الجنان وبجوار الملك الديان ، وإن أهمل وفرط لاسمح الله وركن إلى استغلاله في الشهوات المحرمات باء بالخسران ، وتلظى بالنيران ، وفاته من ربه الرضوان .

أيها الأحبة في الله لقد تعددت وتنوعت الأيات الدالة على أهمية عنصر الزمن في حياة المسلم ، فنجد الحنان المنان يقسم في أية بالعصر ، وفي أخرى بالليل إذا سجى ، و في ثالثة بالنهار إذا تجلى ، وفي رابعة بالضحى ... وهكذا ، فهل فهمنا معنى تلك العبارات ومغزى تلك الدلالات . هذا ابن عباس رضي الله عنهما يروي لنا عن الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه أنه قال: (( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ) )؛ والغبن أيها الأحبة في الله أن تشتري بأضعاف الثمن أو أن تبيع بدون ثمن المثل ، فمن أصح الله له بدنه ، وفرغه خالقه من الأشغال العائقة ، ولم يسع لصلاح آخرته فهو كالمغبون في البيع أو الشراء ، والمقصود أن غالب الناس لاينتفعون بالصحة والفراغ بل يصرفونها في غير محلها ، والتوجيه الرباني للرسول صلى الله عليه وسلم ولأمته من بعده كيف يقضي الفراغ هي قوله تعالى: { فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب } .

والوقت أنفس ما عُنيت بحفظه *** وأراه أسهلُ ما عليك يضيع .

وللوقت أيها الحبة خصائص إذا ما تنبه إليها العبد كان حريصاً على وقته ، وأول تلك الخصائص أنه سريع الانقضاء فهو يمر مر السحاب ،

مرت سنينٌ بالوصال وبالهنا *** فكأنها من قصرها أيامُ

ثم أنثنت أيامُ هجر بعدها *** فكأنها من طولها أعوام

ثم انقضت تلك السنونُ وأهلها *** فكأنها وكأنهم أحلامُ

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام