فهرس الكتاب
الصفحة 221 من 477

سعود الشريم

الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده و رسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الذين ساروا على طريقه واتبعوا نهجه وهداه، وعلى من تبعهم وحذا حذوهم ما تعاقب الأجدان، الليل والنهار.

أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون. إلزموا حدود الله: فامتثلوا أمره واجتنبوا نهيه. وحذار حذار من التفلت والحياد عن سبيله كما تتفلت الإبل في عُقُلها، فإنه ما من زمان يأتي إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم. وإنكم ستعرفون مِن الناس وتنكرون حتى يأتي على الناس زمان ليس فيه شيء أخفى من الحق ولا أظهر من الباطل ولا أكثر من الكذب على الله ورسوله. ألا فمن استنصح الله وُفق، ومن اتخذ شِرعته نهجا هُدي للتي هي أقوم. فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون.

عباد الله: تكلم أهل الأصول وعلم البيان عن الكلام وماهيته، وأن من أقسامه ما يسمى 'الحقيقة'. وأن الكلام الحقيقي قد يكون لغويا أو شرعيا أو عرفيا، كما هو في مظانه من مؤلفاتهم. والذي يفيدنا منه في هذا المقام هو أن الأصل في الألفاظ حمْلها على الحقيقة بواحد من أقسامها الثلاثة الآنفة. وإذا كان الأمر كذلك، فإن طغيان الجانب المادي واللهث وراء المحسوسات، المشغلة عن الدين والتدين و سلوك النهج القويم والدخول في دائرة الأخلاق التي تشمل الجميع، كان سببا ولا شك في قلب الحقائق وجعل الشين زيناً والمر حلواً ومثول صور شتى من اللامبالاة بقيم الألفاظ ودلالات الكلام وثمراته، كما جاء في بعض الأحاديث من تسمية الأشياء بغير اسمها، كما تسمى الخمرة عند أقوام بـ'المشروبات الروحية'، والمخدرات 'كيوفات حيوية'، وما أشبه ذلك. غير أن مما يروعنا، عباد الله، خلائق مقبوحة إنتشرت بين كثير من المجتمعات المسلمة في كافة الأقطار، دون مبالاة. أو بعبارة أخرى، على إغماض متعمد أو شبه متعمد من ذوي المسئوليات العامة من كافة الناس المكلفين. واستمرت موافقة الناس لها حتى حولها الإلف والمحاكاة إلى جزء لا يتجزء من الحياة العامة والتحسينات اللامحدودة.

ومن هنا، رأينا الإستهانة بالكلمة و حقيقتها التي وضعت لها. ورأينا قلة الإكتراث بالأمانات والمسئوليات الثقيلة. ورأينا القدرة على التكيف في قلب الحقائق إذا حل الهوى قلبا ً خاليا ً، فتمكن منه. ومن ثم، جُعل الجهل علما ً، وريادة ً وتطورا ً، والعلم جهلا ً والمعروف منكرا ً والمنكر معروفا ً، وهكذا دواليك.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام