فهرس الكتاب
الصفحة 30 من 477

الخطبة الأولى

أيّها الإخوة في الله:

تلقيت اتصالا هاتفياً من إحدى الأخوات، فإذا بها تريد أن تعرض مشكلةًَ حصلت في بيتها، وقضيةً أقلقت بالها، وأقضت مضجعها، وقلبت حياةَ السعادةِ همّاً، والراحةِ غمّاً، فقلت لها:

ما هي قضيتك؟!، وما هو خبرك؟!.

فقالت بصوت حزين: كنا نعيش في راحة تامة، وسعادة عامة، أنا ومجموعةٌ من إخوتي، وكانوا حريصين على الخير والاستقامة، محافظين على صلاة الجماعة، فحصلت لأحدهم بعثةٌ دراسية لخارج البلاد، ففرحنا بذلك، واستبشرنا بهذا الخبر!.

ذهب أخي هناك ومكث مدةً طويلة لإتمام دراسته، ثم عاد أخي إلينا، نعم عاد إلينا، وأقيمت له حفلةٌ لسلامته وعودته، وحصولِه على الشهادة، ثم مضت الأيامُ، فإذا بها تكشتف حقيقة مروعة، وصورة مفزعة.

قالت: أخي الذي كنت أعرفه قبل سفره للخارج، أصبح ينظر إلينا باحتقار وازدراء، ويرى أننا لا نزال في قمة الرجعية والتخلف، وبدأ يُظهر إعجابَه بالحياة الغربية، وما هم عليه من التقدم والحرية، ثم هو يناقشنا دائماً: لماذا أنتم غاضبون على يهود، إنهم مظلومون، مشردون، يبحثون عن حقهم وأرضهم، التي سلبت منهم؟!.

وفوق ذلك بدأ يتخلف عن الصلاة، بل تركها بالكلية، إلا مجاملة لضيف أو قريب.

حاولت إعطاءه الأشرطةَ النافعةَ فكان يلقيها ويسخر مني، وضعت كتباً في غرفته فإذا بها في سَلْةِ المهملات.

باختصار يا شيخ: أخي تغير من حياة الإسلام إلى حياة الكفر، فماذا أفعل ؟وماذا أصنع ؟ فوالدتي لا يرقى لها دمع ولا يهنأ لها عيش، حزنا على ولدها الذي فقدته وهو لا يزال على قيد الحياة ؟!.

أيها الأخوة في الله:

هذه مأساة تتكرر بسبب تهاونِ كثير من الناس في أمر السفر إلى بلاد الكفر، أو بلاد تشابهها:

أنا لست وحدي في طريق متاهتي…أبناؤكم في الغرب بالعشرات

أبناؤكم في الغرب مصدرُ رزقهِ…يتصدقون عليه بالنفقات

سلمتموهم للعدو غنيمةً …فلتغسلوا الأدران بالعبرات

البعض يذهب هناك من أجل السياحة، أو من أجل تعلم اللغة الأجنبية أو الدراسة، مع عدم توفر الشروط الشرعية فيه: فلا ضرورة في السفر هناك، ولا علم عنده يدفع به عن نفسه الشبهات، ولا دين يردعه عن الشهوات.

يخرج الشابُ من بيئته المحافظة، ومجتمعهِ الطاهرِ العفيف، فيرى هناك التقدمَ الصناعيَ، والتفوقَ العلميَ، فيصاب بالانبهار بالحضارة الغربية التي هي كسراب بقيعة، فيعتقد أن ما نحن عليه من ضعف صناعي، وتخلف تقني، هو بسبب ما نتمسك به من دين وعقيدة، وقيم وأخلاق، فإذا به يستحي أن ينتمي إلى هذا الدين، وتزداد قناعتُه بما عليه الغربُ الكافرُ من تفسخ وانحلال، وضياع واضمحلال، وأنه الحقُ الذي لا مرية فيه، والصوابُ الذي لا شك فيه، فيبدأ بالتخلي عن مبادئه وقناعاته السابقة، يتخلى عن مبادئ الإسلام العظام، ومبانيه العظام، فيصبح كما أصبح هذا الشابُ المسكينُ، الذي نسأل الله تعالى أن يردَه إلى الحق رداً جميلاً وسائر المسلمين يا رب العالمين.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام