فهرس الكتاب
الصفحة 9 من 477

لقد طرأ في هذا العصر المتلاطم بالفتن ما يطرأ في كل عصر ..وارتكب فيه أرباب الشهوات ما ارتكبه أسلافهم الأوائل من تغيير للحقائق ، وتلبيس للمفاهيم ، وعبث بالمبادئ ..فغيروا ما يريدون تغييره لإشباع غرائزهم ، وسموا الأشياء بغير اسمها ، ووصفوها بغير صفاتها اللائقة بها ..فالخمر عندهم شراب روحي ، والربا في نظرهم المعوج فائدة مالية ، ودعامة اقتصادية ، والسياحة في منطقهم المنكوس متعة وترفيه ..هكذا قالوا ..وبئس ما قالوا .

أحبتي في الله: لعلي أن أسلط الضوء على قضية كبرى دار حولها الحديث ، وكثر فيها الكلام ألا وهي قضية السياحة والتي تعني في المفهوم العالمي المعاصر الانفتاح المطلق بلا قواعد مرعية ، ولا ضوابط شرعية ، فلا دين يردع ، ولا وازع يمنع ، يفعل الإنسان ما يشاء ، ويصنع ما يريد .. فالهوى إمامه ،والشهوة قائده ، والجهل سائقه ، والغفلة مركبه ؛ فهو بالفكر في تحصيل أغراضه الدنيوية مغمور ، وبسكرة الهوى وحب العاجلة مخمور

هذه السياحة في عصر العولمة .. ولكننا حينما نعود إلى المعين الصافي ، والمنبع الوافي ـ كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ـ فإننا ندرك حقيقة السياحة ، ومفهومها في الإسلام والتي ينبغي أن يدركها الجميع ..يقول الله تعالى في وصف عباده المؤمنين: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ} التوبة112

وللعلماء في بيان معنى السياحة أقوال كلها تدل على ارتقاء الإسلام إلى معالي الأمور ، وبناء الأمة على مكارم الأخلاق ، وجميل الخصال ، فمنهم من فسر السياحة بالسفر في طلب العلم ، فيرتحلون من أجله ، ويشدون الرحال في طلبه ،وثني الركب لدى العلماء والتلقي عنهم والاستفادة منهم ، قال عكرمة السائحون: هم طلبة العلم .

وفسرها بعضهم بالجهاد في سبيل الله تعالى كما جاء في الحديث عند أبي داود عن أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِي السِّيَاحَةِ ؟ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتِي الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى" ( [1] ) وقال عطاء: السائحون: هم الغزاة المجاهدون في سبيل الله ( [2] ) فهم يسيحون لأجل رفع راية الدين ، وإعلاء كلمة المسلمين ، وإزالة الذل والهوان عن عباد الله المستضعفين ..إنهم يسيحون لبلوغ ذروة سنام الإسلام فأين هذه من تلك ؟ لو كانوا يعقلون .

وفسرها بعضهم بالصيام ..فإن الله تعالى قد وصف النساء اللآتي يتزوجهن رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: ] سائحات [ وأخرج ابن جرير بسنده عن عبيد بن عمير قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن السائحين فقال:"هم الصائمون" ([3] ) قال ابن كثير: وهذا مرسل جيد . وكذا فسر السياحة بالصيام ؛ أبو هريرة وابن مسعود و ابن عباس و عائشة وغيرهم ـ رضي الله عنهم ـ. وعن سفيان بن عيينة قال إنما سمي الصائم السائح لأنه تارك للذات الدنيا كلها من المطعم والمشرب والمنكح فهو تارك للدنيا بمنزلة السائح .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام