فهرس الكتاب
الصفحة 275 من 477

الخطبة الأولى

الحمد لله رب العالمين؛ هدانا صراطا مستقيما، وشرع لنا دينا قويما [قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ] {الأنعام:161} نحمده على تتابع نعمه، وترادف آلائه ومننه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ لا رب لنا سواه، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أعلم الخلق بالله تعالى، وأتقاهم له، أعلى الله تعالى ذكره في العالمين، وجعله حجة على البشر إلى يوم الدين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أولي البر والهدى، وأصحاب الفضل والتقى، ومن تبعهم وسار على نهجهم واقتفى.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعملوا صالحا لغدكم؛ فإنكم مفارقون دنياكم إلى أخراكم، ومرتحلون عن قصوركم إلى قبوركم، ومسئولون عن أعمالكم؛ فأعدوا للسؤال جوابا، ولا يغرنكم الشيطان بالدنيا، فإنها لا تزن عند الله تعالى جناح بعوضة [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ] {فاطر:5-6} .

أيها الناس: إذا وسع الله تعالى على عباده في الرزق، وفتح عليهم أبواب الدنيا؛ فإنهم يُفْتَنون بها، ويتفننون في متعها وملذاتها؛ حتى تتحول الوسائل عندهم إلى غايات، والكماليات إلى ضرورات.

وفي هذا العصر بلغت الرفاهية بالكثيرين أوجها، وانتهت بهم إلى كمالها، في مآكلهم ومشاربهم ومراكبهم، وفي مساكنهم وملابسهم ومراقدهم، وفي حلهم وترحالهم.

وأضحت المتعة والرفاهية فنا من الفنون، وتجارة من التجارات؛ تدرس في المعاهد والجامعات، وتُخص بالتدريبات والدورات، ويتداعى لمشاريعها التجار والأغنياء:

فجامعات تمنح شهادات عليا في صنع لون من ألوان الطعام، وأخرى في نوع من أنواع الرياضات، وغيرها في السفر والسياحة حتى غدت هذه الوسائل والكماليات فنونا يُنفق عليها طائل الأموال، وتُفنى في تعلمها وصناعتها الأعمار؛ وذلك للترفيه عن الأغنياء وإسعادهم، على حساب الفقراء وتعاستهم.

هذا غير وسائل الترفيه المحرم من الرقص والتمثيل والغناء وأنواع الصناعات السينمائية والمسرحية والفكاهية التي ينفق عليها ما يفوق موازنات دول كاملة.

والسفر من أقدم ما عرف الإنسان من وسائل الرفاهية والترويح عن النفس وإجمامها، وقد عرفه الإنسان منذ القدم، وفيه من المنافع ما لا يخفى، كما أنه ينطوي على مخاطر وأضرار لا تُنكر، وقد ذكر النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه قطعة من العذاب؛ كما جاء في حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه فإذا قضى نَهْمَته فليعجل إلى أهله) متفق عليه.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام