فهرس الكتاب
الصفحة 392 من 477

مفهوم السياحة

السياحة أو (الترفيه والترويح) من منظور إسلامي

ها هو الصيف قد أقبل، وشمس آب اللهاب تطارد الناس وتستحثهم على حزم حقائبهم بعيداً عن أشعتها الحارقة.

هناك الكثير من المنتجعات السياحية والمدن التي تغريك بطبيعتها الخلابة وجمال أجوائها بزيارتها وقضاء إجازة ممتعة في ربوعها وبين جنباتها..بعيداً عن صخب المدن الكبيرة وضجيجها اليومي وضغوط الدوام الرسمي وإيقاعه الممل.

فتعال - معي - أخي القارئ في سياحة ذهنية لنتعرف معاً على حكمة الشارع وسماحة الإسلام التي جاءت بالوسطية والاعتدال فلا غلو ولا رهبانية ولا شطط فيما يتعلق بالترويح والترفيه واللهو البريء، لنسلط الأضواء على هذا النوع من أنواع الأنشطة الإنسانية التي يمارسها الكبير والصغير على حد سواء.

توطئة:

لم تكن السياحة تمثل هاجساً لإنسان جزيرة العرب في قرون الإسلام الأولى لسببين:

أولهما: أن المسلمين كان همهم الأول وشغلهم الشاغل التوسع في الفتوحات وإظهار دين الله وتبليغ رسالة الإسلام وتعاليمه السمحة.

وثانيهما: الظروف البيئية المحيطة بذلك الإنسان حيث الطبيعة الصحراوية القاسية التي ألقت بظلالها السالبة على نمط حياته البدائية وأسلوب تفكيره، فقد كان العربي مكبلاً بأغلال الفقر والجهل، والسياحة والتجوال في الأرض- كما هو معلوم إنما هي ضرب من الترف عماده الاستطاعة واليسار، وهذا ما لم يكن متاحاً لبني يعرب وقتذاك.

فلا غرابة إذن أن تخلو كتب الأصوليين من الإشارة إلى السياحة وتسويد الصفحات حولها بالمعنى السائد عن هذا الفعل الإنساني في وقتنا الحاضر و (المسمى سياحة) .

كثيراً ما يخلط البعض بين مصطلح السياحة المعاصر والذي يعني السفر من أجل الاستجمام والترويح عن النفس، وبين مفهوم السياحة التي ذمها وحذر منها المتقدمون من أهل العلم لمخالفتها هدي الإسلام والمتمثل في سياحة النساك وأهل التبتل من الزهاد، الأمر الذي يخرجها عن مضمونها ويبعدها عن مقاصد الشريعة، ويذهب بها إلى مشابهة المتنسكين من أهل الملل والنحل الفاسدة كالبوذية ومن في حكمها.

وحجة أولئك المانعين لهذا الفعل ما روي عن الإمام أحمد من أن (السياحة ليست من الإسلام في شيء) وكذا ما نقل عن ابن تيمية من أنه (أمر منهي عنه) .

فهذه الأقوال محمولة على السياحة الخاصة بأهل الزهد المنقطعين عن الناس في الكهوف والمغارات، وفعلهم ذاك ما هو إلا رهبانية ابتدعوها من عند أنفسهم، لم تكتب عليهم ولم يؤمروا بها.

وإن محاولة إسقاط ذلك المفهوم المذموم على حال السياحة المعاصرة بمفهومها المستقر في الأذهان والمنصرف إلى الترويح والبعد عن جو الرتابة والملل، واستعادة الحيوية والنشاط، لا يصح مطلقاً، لأن إنزال تلك النصوص المروية عن أولئك الأعلام على واقع السياحة المعاصر تجريد لهذه النقول من سياقها الذي وردت فيه.

والصحيح أنها تأخذ حكم السفر، فإن كان القصد من السفر مباحاً، فهي مباحة والعكس صحيح، (فمدارها النية) . وهو ما ذهب إليه أهل العلم المعاصرون.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام