عبد الرحمن العبود
يراهن الكثيرون في عدم القدرة على صناعة سياحة داخلية في البلاد الإسلامية، وفق ضوابط شرعية تأخذ بمبدأ اللهو المباح المقرر في الشرع وتحيطه بسياج الثقافة الإسلامية التي تحافظ على الهوية الإسلامية، وتمنع من الانزلاق وراء بريق اللهو المفضي إلى نزع القيم والحشمة والعفاف، وجعل السياحة تتأرجح بين أمرين لا ثالث لها، إما سياحة مفتوحة تمارس فيها الأسرة جميع وسائل اللهو دون قيد أو ضابط أو عدم وجود تلك السياحة الناجحة مطلقاً.
هذا الفهم المغلوط عن السياحة ناتج في اعتقادي عن ضعف في التركيبة الذهنية لدى من يمارسه، وضعف في إدراك آلية صناعة السياحة على مستوى العالم العربي والإسلامي، وفق عاداته وثقافته الإسلامية.إننا نرى هنا وهناك في بعض البلاد الإسلامية سياحة ولكنها على طراز يحاكي البلاد الغربية، حتى يُخيّل إليك عند زيارتها أنها بلاد غير إسلامية لعدم وجود أي مظهر من مظاهر الإسلام فيها!!
فهذه البلاد ركزت على نقل عادات البلاد الأجنبية وجميع شؤونهم وحتى بعض طقوسهم الدينية لجذب السياح، وأهملت عاداتها وتقاليدها الإسلامية!! فهل السياحة في البلاد الإسلامية تفتقر إلى إبراز هويتها وثقافتها ونمذجتها في إطار ترفيه يناسب الصغير والكبير والرجل والمرأة والفرد والأسرة؟! إن وجود تقاطعات في المصالح لا سيما الاقتصادية منها وزيادة الدخل الاقتصادي السياحي يشكل عبئاً واختلافاً في الآراء بين المثقفين المحافظين، ومنظري السياحة الذين ينظرون من زاوية اقتصادية واحدة.وبهذا الاختلاف برزت مجموعة من الدول واشتهرت في الترويج للسياحة عبر وسائل غير مباحة جمعت بين (الكأس والمرأة) استقطاباً للسائحين فالغاية لديهم تبرر الوسيلة!! وأمام هذا التوجه تعالت أصوات تنادي بالسياحة الداخلية حفاظاً على الشباب من الوقوع في شراك الرذيلة ومصائدها، ولكن... وأمام هذا العالم الفسيح والبضاعة المزجاة والثقافات المتنوعة، ووسائل الإعلام المؤثرة هل نستطيع صناعة آلية سياحية تلبي حاجات المواطنين، وتستقطب السائحين من البلاد الأخرى؟
في وقت مضى كان الاعتقاد سائداً أن الأجواء الباردة شرط أساس للسياحة، ولكن في وقتنا الحاضر استطاعت كثير من الدول التي عرفت بأجواها الحارة أن تستقطب الأعداد الكبيرة من السائحين بأساليب حديثه مبتكرة، فأنشأت مدناً ترفيهية تحتوي على جميع الوسائل والمعارض والأسواق والمخترعات ومجهزة بالفنادق وأماكن الراحة والاستجمام، كل ذلك أدى إلى استقطاب أعداد كبيرة من مختلف أنحاء العالم.
ومن اللافت للنظر أن فئام من الناس انطبع في أذهانهم أنه لا توجد سياحة إلا بالملاهي الليلية ودور السينما التي تعرض المجون والخنا، واخذوا يراهنون على عدم نجاح السياحة الخالية من تلك الأماكن وهؤلاء هم من راهن في زمن مضى على عدم نجاح البنوك الإسلامية الخالية من الربا والتي أثبتت نجاحها، ونجحت في تقديم صورة مشرقة للعالم عن الاقتصاد الإسلامي.