محمد الداه بن أحمد الشنقيطي
الخطبة الأولى
قال الله - تعالى: فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء، وقال - تعالى: أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله.
وإن من أعظم أسباب انشراح الصدر: التوحيد الخالص والعلم النافع ودوام الإنابة إلى الله - تعالى -ودوام ذكره - جل وعلا - على كل حال، والإحسان إلى الخلق بجلب النفع لهم ودفع الضر عنهم، ومنها إخراج الحسد والغش والخيانة والكبر والعجب والرياء والسمعة من القلب حتى يتسع للخير ويضيق عن الشر، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي قال: (( إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح، قالوا: وما علامة ذلك يا رسول الله؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله ) )1.
عباد الله: إن البدن إذا كلّ وتعب طلب الراحة، وإن القلب إذا أجهد عمي وطلب الاستراحة، وإن المُنبتّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، وها هي الإجازة الصيفية قد أظلتنا نسأل الله لنا ولأبنائنا والمسلمين جميعاً الفوز والنجاح والتفوق والصلاح، وإن الناس إذا جاءت الراحة والإجازة السنوية بدأوا يفكرون ويخططون لها ويهتمون جداً لكيفية قضائها هل يقضونها في الشرقية أم في الغربية أم في الشمال أو في الجنوب أم الوسطى؟ هل يقضونها في الداخل أم في الخارج؟ أم هل يقضونها في السياحة والاعتبار والنظر في الآثار والديار؟ ولكل تفكيره وتدبيره فيما أحل الله لعباده وأباحه، وإننا نذكرهم قبل الشروع في الأسفار ومفارقة الديار بأنواع الأسفار وما يلزم المسافر من أحكام وآداب.
عباد الله، إن السفر على قسمين هرب أو طلب، أي إما شر تهرب منه حفاظاً على نفسك أو دينك أو أهلك أو مالك، وأمثلة ذلك كثيرة منها الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام، ومنها الخروج من دار الكفر والبدعة التي لايقدر الإنسان على ردها وإنكارها قال الله - تعالى: وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً وقال - تعالى: واذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين روي عن مالك - رحمه الله: (لا يحل لأحد أن يقيم بأرض يسب فيها السلف) فكيف بأرض يسب الله فيها وملائكته وأنبياؤه وكتبه؟.