فهرس الكتاب
الصفحة 166 من 477

وأما سفر الطلب فإن من أمثلته الهجرة وذلك سفر الأنبياء والصالحين والسفر للجهاد، وكان ذلك أكثر سفر النبي والصحابة الكرام، وهذا القرآن بين أيديكم والسيرة النبوية ومنها: السفر لطلب العلم وطلب العلم فريضة، ومنها السفر للأماكن الفاضلة كمساجد الأنبياء الثلاثة المعروفة التي لا تشد الرحال على سبيل القربة والتعبد والاعتكاف إلا إليها، ومنها السفر للتجارة والكسب الحلال، ومنها السفر للاعتبار: أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم، فهذه جملة الأسفار الواجبة والمندوبة والمباحة وأما غير ذلك من الأسفار فلا يليق بعاقل أن يضيع فيه وقته أو يتعب فيه بدنه أو ينفق فيه ماله: والله يعلم المفسد من المصلح، (( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ) ).

1 -رواه الحاكم (4/311) ، وفيه عدي بن الفضل. قال الذهبي: ساقط. وانظر ميزان الاعتدال للذهبي رقم (5593) . والبيهقي في شعب الإيمان ح (10552) .

الخطبة الثانية

عباد الله: إن الله- تبارك وتعالى -امتن علينا بأن سخر لنا ما في السموات وما في الأرض وأباح لنا ما شرعه لنا وأذن لنا فيه: (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ) ووصف لنا عباده الذين أكرمهم بأفضل الصفات وأدبهم بأجمل الآداب لنقتدي بهم: وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً، وقد قال في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة: (( السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه، فإذا قضى نهمته فليعجل إلى أهله ) ).

عباد الله: إذا كان ضرب في الأرض مباحاً وكانت هذه هي أنواع الأسفار التي يثاب عليها بالإضافة إلى صلة الرحم وزيارة الإخوان في الله - تعالى -فإن على المسلم أن يعرف أحكامها وآدابها وأن يستخير الله - تعالى -قبل الدخول فيها وأن يصحح نيته ومقصده ليسلم ويغنم إذ الأسفار فيها مخاطرة، وعلينا جميعاً أن ننصح أولئك الذين منّ الله عليهم بالصحة والعافية والمال وخلو البال ثم يسافرون أسفار محرمة والى بلاد كافرة ليتلفوا المال والصحة ويخسروا أنفسهم ودينهم ومروءتهم ويحملوا إلى ديارهم شؤم المعاصي والأمراض النفسية والبدنية.

عباد الله: هل يصح من عاقل أن يتعمد تدمير نفسه وماله مقابل العار والشنار ويحمل نفسه الموبقات والأوزار؟ إن بعض الناس هدانا الله وإياهم يفعلون ذلك وإن السكوت على صنيعهم، ذلك مما يجر خراب الديار، أيسافر المسلم إلى بلاد الفتن والتحلل؟ أتنفق مالك ووقتك وبدنك وأنت محاسب على ذلك لتصل إلى بلاد لا يذكر فيها اسم الله لا للعلاج ولا للتجارة ولا للعلم نعوذ بالله من الخيبة والخسران، إننا نذكر أنفسنا وإخواننا بنعم الله - تعالى -التي أجلها نعمة الإيمان والإسلام والأمن والصحة والعافية وتلك هي الدنيا بحذافيرها، عن عبيد الله بن محمص الأنصاري الخطمي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله: (( من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ) )2.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام