فهرس الكتاب
الصفحة 74 من 477

الشيخ محمد بن إبراهيم السبر

الخطبة الأولى:

مع شدة حر الصيف اللافح، ولأواء الشمس وهجيرها، وسخونة الأجواء التي يتصبب منها الجبين عرقاً؛ يستعد كثير من الناس لقضاء الصيف والإجازة، فحجوزات تؤكد، وتذاكر تقطع، وحقائب تجهز، وأحزمة تربط، وأموال ترصد، حيث يممون وجوههم قبل المصايف والمناطق المعتدلة الباردة، وترحل نجائبهم للبلاد الخارجية، وزيارةٌ واحدةٌ للصالات الخارجية بالمطارات ووكلات السفر والسياحة تؤكد واقع الناس، وما هم فيه حيث أجلبوا بخيلهم ورجلهم، وانطلقوا زرافات ووحداناً للسفر والسياحة، ذلك أن بعض المسلمين يجدون في شدة حر الصيف ولهيب سمومه عذراً ومسوغاً للسفر للبلاد الخارجية، سفراً بلا حدود، وانطلاقاً بلا غاية، وسعياً بلا هدف، ووجهة بلا مهمة، حتى لو كان في ذلك ما فيه من الوقوع في المحرمات، وإهمال الواجبات، والاختلاط والتبرج والسفور.

وهذه الكلمات هي رسالة إلى كل من يعنيهم الأمر من هواة السفر والترحال والسياحة، إنها وقفة سؤال وعتاب لهؤلاء، إلى الذين حملوا الصغير قبل الكبير، والعاجز قبل القادر، واصطحبوا النساء ومَنْ تحت ولايتهم إلى بلاد الكفر والنصرانية، ومراتع الإلحاد والإباحية، رسالة إلى الذين يريدون قضاء الإجازة والصيف بداعي اللهو والترفيه، والراحة والاستجمام، ولكنهم جنوا على أنفسهم، وضيعوا أولادهم، وأهملوا محارمهم، وغفلوا عن أعراضهم.

عباد الله: إن السفر والترحال والسياحة أمر ذو بال في واقع كل امرئ حي، فالإنسان مجبول على حب التنقل والضرب في الأرض، والناس لهم في السفر والإجازة والسياحة مقاصد شتى، ومآرب متنوعة، فهذا يريد أن يعلل ويرفه جسده، وذاك يريد أن يمتع عينيه بالمناظر الخلابة، وآخرون بدعوى الدراسة والعمل والتجارة، ونحن أبناء أمة كانت مطبوعة على الرحلة، ومولعة بالسفر والسياحة، فالعرب في الجاهلية كانوا يسافرون ويسيحون في الأرض، إما سداً للفاقة، أو طلباً للراحة، أو للقتال والغارة، فجاء الإسلام العظيم مشرقاً بنوره الوضاء فزكى مبدأ السياحة وقواه وسما به، وامتن الله على قريش حين ذكرهم بأنه هيأ لهم أسباب رحلتين عظيمتين منتظمتين إلى اليمن تارةً، وإلى الشام أخرى فقال سبحانه: (( لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف... ) ).

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام