فهرس الكتاب
الصفحة 75 من 477

لقد جاء الإسلام إلى الأعرابي الذي ينتقل ويسافر قطعاً للطريق، وسلباً للقوافل والأموال؛ ليجعله مجاهداً في سبيل الله، وليجعله سائحاً مسافراً يدعو إلى دين الله، كان يبحث عن منابع الماء، ومواقع القطر ليشرب منها، فإذ به يبحث عن منابع العلم لينهل منها، لقد جاء الإسلام لعادة العرب فجعلها عبادةً وسياحةً تعود بالأجر والثواب، فهذا سفر الحج والعمرة والهجرة والجهاد أكبر دليل على ذلك، جاء ليجعلها سياحةً وسفراً ورحلةً تعتبر بملكوت الله - جل وعلا -، وتنظر في آياته الباهرة (( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق... ) )، وقال - تعالى-: (( فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) )، ولقد أنكر الله - جل وعلا - ونعى على أناس يسافرون ويسيحون ولا يتأملون في خلقه فقال - سبحانه: (( وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون ) )، وهذا محمد - صلى الله عليه وسلم - سافر وانتقل وساح في الأرض مرات وكرات إبان شبابه قبل البعثة وبعد نبوته ما بين حج وعمرة، وهجرة وجهاد وتجارة.

وليس يخفى على الجميع أن السفر والسياحة وحب الاطلاع أصبحت في هذا الزمن من الأمور الترفيهية المطلوبة لدى عامة الناس خاصة بعد مواسم الدراسة وجهد العمل، السياحة مصطلح وموضوع نجد الناس أمامه على طرفي نقيض، فمنهم الرافض رفضاً قاطعاً مستدلاً بالسلبيات والأضرار الناتجة عنها، ومنهم المرحب فرحاً بالإيجابيات، وكل محق، ولكن كلا طرفي قصد الأمور ذميم، ونحن بوصفنا أمة إسلامية لا بد أن نتعامل مع المستجدات العصرية والأحدوثات الجديدة بروح الواقع والاحتواء لا الرفض والانزواء، ولابد أن نسخر هذه المصطلحات والأمور فيما ينفعنا ويعود بالخير علينا ديناً ودنيا.

ولا ريب أن الوسطية هي شعار الأمة الإسلامية قال الله - تعالى-: (( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ) )، والسياحة لها مفاهيم عدة، وقوالب شتى، ومناظير متعددة غير أن للمسلمين خاصة في بلاد الحرمين منظوراً ومفهوماً في السياحة يختلف عن غيرهم، فلا يمكن أن نستورد مفاهيم غيرنا فيها فهم يفهمونها على ليلاهم، ونحن نفهمها على قرآننا وسنة رسولنا - صلى الله عليه وسلم -، وبلادنا هذه حباها الله - جل وعلا - بمميزات كثيرة قلما يوجد نظيرها كاحتضانها للمقدسات الإسلامية والبقاع الطاهرة، فهي بلاد التوحيد، بلاد الحرمين وقبلة المسلمين، ومهوى أفئدة المسلمين جميعاً، وما تتمتع به من الإيمان والأمن والاستقرار، وحفظ الأعراض والأموال، لذا لابد من مراعاة خصوصية هذا البلد الدينية قبل الخوض في شأن السياحة.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام