ولئن كانت السياحة عند القوم سفوراً وتعرياً، ولهواً ومتعةً جسديةً فهي في الإسلام عبادة يؤجر المرء عليها، ولها في القرآن والسنة الثناء الجميل، والذكر النبيل، فلقد وردت السياحةُ في كتابِ اللهِ وسنةِ رسوله - صلى الله عليه وسلم - تحملُ معاني ساميةً، وارتبطَ وصفُ السائحينَ بنماذجَ عاليةٍ من البشر، يقولُ - تعالى- في وصفِ الذين اشترى اللهُ منهُم أنفسَهم وأموالهم بأنَّ لهُم الجنة: (( التَّائِبُونَ العَابِدُونَ الحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ المُنكَرِ وَالحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ ) ) (سورة التوبة:112) ، والسائحون هم: الصائمون في قول أكثر المفسرين، واستدُلَ لهُ بقولهِ - تعالى- في وصفِ نساءِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (( عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ) ) (سورة التحريم:5) ، وبما وردَ في الحديثِ عن عائشةَ - رضي الله عنها - مرفوعاً: (( سِيَاحَةُ هَذهِ الأَمةُ الصِيَامُ ) )، وكذا فسرَ السياحةِ بالصيام؛ أَبو هريرةَ، وابن مسعودٍ، وابن عباسٍ، وعائشة وغيرهم - رضي الله عنهم -، وقال عطاء: السائحون: هُمُ الغزاةُ المُجاهِدُونَ في سبيلِ الله، وقيل السائحون: المُهاجِرون، وقيل: السفر في طلب العلم قال عِكرِمةَ السائحونَ: هم طلبةُ العلمِ، وقيل: سياحةُ القلب في معرفة الله ومحبته، قال الشيخ ابنُ سعدي - رحمه الله:"والصحيح أن المراد بالسياحة السفر في القربات كالحج والعمرة، والجهاد وطلب العلم، وصلة الأقارب ونحو ذلك"أهـ.
هذا هو مفهوم السياحة في الإسلام!! سياحة تظهر دين الله، وتحميه وتنصره قال - صلى الله عليه وسلم:"إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله"رواه أبو داود بإسناد صحيح، سياحة للنظر والتدبر، والتأمل والتفكر في ملكوت الله (( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) ) (الأنعام:11) ، وقال سبحانه: (( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ) ) (النمل:69) ، وقال جل ذكره: (( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ) (العنكبوت:20) .
سياحة لطلب الرزق، وتأمين الأمة معيشياً، سياحة لطلب العلم والفكر، والخير والدعوة إلى الله، هذا مفهوم السياحة في الإسلام، وقد دُنِّسَ هذا اللفظُ حيثُ أصبحَ مُصطلحاً مُعاصِراً تُشَمُّ منهُ رائحةَ التلوثِ العقدي، والفسادَ الأخلاقي، والتحللَ من الضوابطِ والقيمِ، فإلى اللهِ المُشتكي، وحسبُنا اللهُ ونعم الوكيل.
والسياحة مفهومها الحالي يخالف مفهوم الإسلام طريقة وهدفاً فلماذا كان أسلافنا يسافرون؟! كانوا يسافرون دعوة إلى الله وجهاداً، والآن أصبح السفر والسياحة عند البعض للجنس والشهوة، والعبث واللهو!! لماذا سافر مصعب بن عمير - رضي الله عنه - سافر داعيةً ومعلماً للقرآن؟! لا ولياً للكفر، ولا مهادناً، ولا لاعباً، ولا لاهياً.