عامر بن عيسى اللهو
الخطبة الأولى:
يقول الله جل وعلا في كتابه الكريم واصفاً رسوله صلى الله عليه وسلم ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) .
فرسول الله صلى الله عليه وسلم لا يألو جهداً في نصح أمته والسعي في مصالحهم بل إنه بأبي هو وأمي يشق عليه الأمر الذي يشق على أمته ويوقعهم في الحرج والضيق؛ كيف لا وقد حُفظ عنه عليه الصلاة والسلام في أحاديث متنوعة قوله ( لولا أن أشق على أمتي ) كما أنه صلى الله عليه وسلم يحب لأمته الخير ويسعى جهده في إيصاله إليهم، ويحرص على هدايتهم إلى الإيمان ، ويكره لهم الشر ويسعى في تنفيرهم عنه كما أنه شديد الرأفة والرحمة بهم ، فهو أرحم بنا من والدينا ومن كل رحيم في هذه الدنيا .
عباد الله:
ومن مظاهر رأفته صلى الله عليه وسلم ورحمته بأمته وحرصه على دلالتهم على الخير أنه كان يتعاهدهم بالوصية ، فكان يوصيهم ابتداء ويوصيهم إذا طلبوا منه الوصية؛ لأن التواصيَ بالحق من صفات المؤمنين الناجين من الخسارة في الدنيا والآخرة ( إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) .
ومن جملة وصاياه صلى الله عليه وسلم وصيته لمن أراد السفر نذكر ذلك ونحن على أبواب إجازة تكثر فيها الأسفار وتتعدد وجهات المسافرين، فما أحوجنا إلى التمسك بوصية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في أسفار.
وبين أيدينا وصية عظيمة وصّى بها النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه لما أراد أن يسافر إلى اليمن ، وكان معاذ رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة عظيمة ، فإنه قال له: يا معاذ والله إني لأحبك، وكان يردفه وراءه، وقال فيه: إنه أعلم الأمة بالحلال والحرام ، وإنه يحشر قبل العلماء برتوة - أي بخطوة - رواه الحاكم ، ومن فضله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جعله مفتيا وداعيا وحاكما في أهل اليمن ، وكان يشبهه بإبراهيم الخليل، وإبراهيم عليه السلام إمام الناس.
فعُلم من ذلك أن هذه الوصية وصيةٌ جامعة مانعة قد حوت الخير كله، فما هذه الوصية ؟
روى الترمذي في سننه بسند حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل لما بعثه على اليمن: ( اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن ) .
قال ابن رجب رحمه الله: هذه الوصية جامعة لحقوق الله وحقوق عباده.