انتهى موسم الامتحانات لدى أبنائنا في المدارس، وبدأت الأسر تستنشق نسيم الراحة بعد موسم كامل من الكد والتعب وبذل الجهد.
ولا شك أن حاجة الجسم إلى الراحة بعد الكد، وإلى الهدوء بعد الضجيج، وإلى نوع استرخاء واستجمام بعد عام من الشد العصبي والضغط النفسي، والجهد البدني؛ هو من الأمور المسلّمة التي لا ينكرها إلا مكابر أو جاهل.
والإسلام في حقيقته لم يفرض على الناس أن يكون كلُّ كَلامهم ذكرًا، ولا كلُّ شرودهم فكرًا، ولا كل أوقاتهم صلاة وعبادة؛ بل جعل للنفس شيئًا من الترويح والإراحة المنضبطين بشرعة الإسلام.
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لحنظلة:"ساعة وساعة".
وقال على فيما ذكره عنه الإمام ابن عبد البر:"أجمُّوا هذه القلوب، والتمسوا لها طرائف الحكمة؛ فإنها تمل كما تمل الأبدان".
ومع بداية الإجازة من كل عام تطرق أبواب مجتمعاتنا قضية هامة لا ينبغي أن تفوت دون انتباه لقوة تأثيرها على الأفراد والمجتمعات، بل وفي كثير من الأحيان على ثقافة الأمة كلها، ففي مثل هذا الوقت من كل عام نرى كثيرا من الناس قد جمعوا أغراضهم، وحزموا حقائبهم، وهيئوا أنفسهم عازمين على السفر شرقًا أو غربًا، إما طلبًا للراحة والاستجمام، وإما طلبًا للنزهة والسياحة، وإما طلبًا للهو واللعب، وإما طلبًا لأمور يعلمها الله - عز وجل -. وإلى كل هؤلاء نقول: قبل أن ترفعوا أقدامكم عن بلدكم لتضعوها شرقًا أو غربًا تعالوا بنا لنقف وقفة صادقة نزن فيها الأمر على ميزان الشرع المطهر مرورًا بأمور لابد أن نذكرها، ولابد أن نتذكرها جيدًا:
أولاً: مهمة الإنسان في هذه الحياة:
لماذا خلقك الله؟ ولماذا أوجدك في هذه الحياة؟ يجيبك الله - عز وجل - فيقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] .
إذن فالله خلقك لعبادته، ومن أجل تلك العبودية سخر لك ما في السماوات وما في الأرض، وأرسل إليك الرسل، وأنزل عليهم الكتب، وخلق الجنة والنار، ونصب الميزان، وضرب الصراط.
وإن من أعظم الظلم بعد كل هذا أن تظن أنك خلقت عبثًا أو أنك ستترك سدى دون حساب أو مساءلة - حاشا لله: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115] .
فالمسلم في هذه الحياة ليس حرًّا يفعل ما يهواه، وإنما هو عبد لله، والعبد ليس له تصرف في نفسه وإنما أمره بيد سيده ومالكه، لا يفعل شيئًا إلا بأمره، ولا يتحرك إلا من خلال طاعته وحكمه. فإذا علمت هذا وأيقنت أنك عبد لله، وجب عليك أن تكون كل حركاتك وسكناتك في طاعته، ووجب عليك أن تستغل كل ما أفاء به عليك للقيام بحق عبوديته: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162] .
فيا من عزمت على السفر انظر أولاً هل هذا السفر يقربك من الله ويدنيك من الجنة؟ أم أنه يبعدك عن الله ويقربك من النار؟ فإذا علمت فاختر لنفسك ما تشاء.
ثانيًا: الوقت هو الحياة: