فالوقت هو رأس مال المسلم الذي يتاجر فيه مع ربه، ويطلب به السعادة في الدنيا والآخرة، وكل جزء يفوت من هذا الوقت خاليًا من العمل الصالح يفوت على العبد من السعادة بقدره.
ولذلك كان السلف - رضي الله عنهم - لا يفرطون في ساعة ولا في لحظة، بل ولا في نفس.
قال رجل لعامر بن قيس: قف أكلمك. قال: لولا أني أبادر لوقفت. قال: وماذا تبادر؟ قال: أبادر طلوع روحي.
وصدق - رحمه الله - فإن الوقت لا يقف محايدًا أبدًا؛ فهو إما صديق ودود ينفعك ويسرك، وإما عدو لدود يحزنك ويضرك.
قالت رابعة لسفيان: يا سفيان! إنما أنت أيام، فإذا مضى يوم مضى بعضك.
إنا لنفرح بالأيام نقطعها *** وكل يوم مضى يدني من الأجل
يسر المرء ما ذهب الليالي *** وكان ذهابهن له ذهابًا
يقول ابن الجوزي: ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه وقيمة وقته فلا يضيع منه لحظة في غير قربة.
وقال علي - رضي الله عنه: بقية عمر المرء ما لها ثمن يدرك بها ما فات ويحيي بها ما أمات.
إذا كان رأس المال عمرك فاحترز *** عليه من الإنفاق في غير واجب
قال الحسن البصري: وقذتني كلمات سمعتها من الحجاج؛ سمعته يقول: إن امرءًا ذهبت ساعة من عمره من غير ما خلق له لحري به أن تطول حسرته يوم القيامة.
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم:"ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله - عز وجل - فيها".
وساعة الذكر فاعلم ثورة وغنى *** وساعة اللهو إفلاس وفاقات
فالمسلم ليس عنده وقت فراغ، وإنما وقته كله مشغول بطاعة ربه وعبادة مولاه، العبادة بمعناها الشامل والواسع، وإنما يكون الفراغ عن البطالين الذين لا يعرفون للوقت قيمة ولا للعمر قدرًا.
ثالثًا: لا مانع من الترويح المباح
إن الإسلام لا يحجر على أتباعه أن يروحوا عن أنفسهم، ولا أن يدخلوا السرور على أهليهم وأولادهم طالما كان هذا الترويح في حدود الشرع وتحت قواعد الدين فلا غضاضة فيه، بل قد يكون مطلوبة في بعض الأحيان.
وقد سابق النبي - صلى الله عليه وسلم - بأبي هو وأمي زوجته أُمّنا عائشة - رضي الله عنها -، فسبقته، ثم سابقها مرة أخرى فسبقها؛ فقال:"هذه بتلك".
فالترويح جائز طالما كان منضبطًا بهدي الإسلام، أما إذا كان مما يضعف الإيمان ويهز العقيدة ويخدش الفضيلة ويوقع في الرذيلة؛ فهذا مما لا يقبله العقل ولا يقره الدين.
رابعًا: للسفر آداب وقواعد
إن السفر في الإسلام لا بأس به، ولكن له حدود مرعية وقواعد شرعية منها:
-أن يكون إلى بلد من بلاد الإسلام؛ حيث يأمن المرء على نفسه وعرضه وماله، وحيث يستطيع أن يظهر شعائر دينه.
-وبشرط ألا يكون سفر معصية.
فالسفر في هذه الحال إن كان لأمر مباح فهو جائز شرعًا - إن شاء الله -.
وأما السفر إلى بلاد الكفر؛ فهذا مما منعه الإسلام وحرمه إلا بشروط شديدة:
أولها: أن يكون لضرورة شرعية: كمرض لا علاج له إلا في تلك البلاد، أو علم لا يوجد إلا عندهم، وهو مما يحتاج له الإسلام، أو أي ضرورة أخرى معتبرة في شريعة رب الأرض والسماء.
ثانيها: أن يكون عند المسافر من العلم ما يحفظه ممن ورود الشبهات وهي كثيرة عند هؤلاء.