السياحة كلمة ومعنى
الشيخ د سعود الشريم
إن محور حديثنا ونقطة الارتكاز فيما سنطرحه هو ما يسمى في الكلام"السياحة"، وما تطرف منها لفظا ً ومعنى. هذه الكلمة تكاد تتواطأ أسهام الأغرار من الناس على أنها عبارة دالة بذاتها على معان منها: الترويح عن النفس، أو الاصطياف، أو الخروج عن القيود الشرعية أو العرفية، أو الارتقاء والتمدن واتساع الأفق الثقافي، أو بعبارة أخرى تلم الجميع: 'العولمة الحرة'. وأين كان، هذا المعنى أو ذاك، فإنه لن يخرجنا هذا كله عن القول بصدق: إن هذه المعاني والمفاهيم للسياحة كلها مغلوطة، وليست من السياحة في ورد ولا صَدر ولا هي من بابه. ولأجل أن نؤكد على ما نقول بالدليل القاطع فإن هناك نصوصا ً من كتاب ربنا وسنة نبينا، - صلى الله عليه وسلم -، وأقوال السلف الصالح، كلها تدل على مفهوم للسياحة مغاير لما تعارف عليه جمهرة الناس.
يقول الله، - جل وعلا:"التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون،"الآية. قال ابن مسعود وابن عباس وأبو هريرة وعائشة - رضي الله عنهم -، وغيرهم:"إن السائحين هم الصائمون."ومثل ذلك قوله - تعالى:"عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا ً خيرا ً منكن، مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا ً."وقد قالت عائشة - رضي الله عنها:"سياحة هذه الأمة: الصيام."وقال بعض أهل العلم، كزيد بن أسلم وابنه:"السائحون هم الذين يسافرون لطلب الحديث والعلم."وثم إطلاق آخر لمعنى السياحة وهو السير للمطلوب الشرعي والبحث عنه، عبادة ً لله وقربى لديه، كالحج وزيارة المساجد الثلاثة، أو الغزو في سبيل الله أو نحو ذلك. فقد ثبت عند الترمذي في جامعه، أن النبي، - صلى الله عليه وسلم -، إذا قَفَل من غزوة، أو حجٍ أو عمرة، كان مما يقول في دعائه:"آيبون تائبون عابدون سائحون لربنا حامدون،"الحديث. وإطلاق آخر للسياحة بمعنى عبادة الله في أرضه للمضطهدين في دينهم والمشردين عن أوطانهم، كما ثبت في صحيح البخاري من قصة هجرة أبي بكر، - رضي الله عنه -، إلى الحبشة حيث لقيه ابن الدَّغِنة فقال:"أين تريد يا أبا بكر؟"فقال أبو بكر:"أخرجني قومي، فأنا أريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي."فقال ابن الدغنة:"إن مثلك لا يَخرج ولا يُخرج،"الحديث.
ما مضى ذكره إنما هي معان ٍ ممدوحة من معاني السياحة والذهاب على وجه الأرض في أصل الكلمة وحقيقتها. وفي المقابل، نجد سياحة مذمومة ممقوتة، نهى الشارع الحكيم عنها وأبدل الأمة خيرا منها. وهي السياحة في الأرض، على وجه العزلة والانطواء والبعد عن الناس ومخالطتهم والصبر على أذاهم لأجل التعبد وحده. فقد ثبت عن أبي أمامة، - رضي الله عنه -، أن رجلا ً قال:"يا رسول الله: ائذن لي في السياحة."قال النبي، - صلى الله عليه وسلم:"إن سياحة أمتي: الجهاد في سبيل الله."رواه أبو داود في سننه وقدَّره بقوله:"باب النهي عن السياحة."