قال ابن عباس، - رضي الله عنهما -، في قوله - تعالى:"ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم، إلا ابتغاء رضوان الله فما رَعوها حق رعايتها،"يقول، - رضي الله عنه:"هذا عن ملوك بعد عيسى بن مريم بدلوا التوراة والإنجيل وكان بهم مؤمنون يقرؤون التوراة.."إلى أن قال، - رضي الله عنه:"..فقال أناس منهم: نتعبد كما يتعبد فلان، ونسيح كما ساح فلان، ونتخذ دُورا كما اتخذ فلان، وهم على شركهم. فلما بعث الله النبي، - صلى الله عليه وسلم -، ولم يبق منهم إلا قليل، انحط رجل من صومعته، وجاء سائح من سياحته، وصاحب دَير من ديره فآمنوا به، وصدقوه، فقال - تعالى:"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله، يؤتكم كِفلين من رحمته."رواه النسائي."
يقول ابن كثير، - رحمه الله:"وليس المراد من السياحة ما قد يفهمه بعض من يتعبد بمجرد السياحة في الأرض والتفرد في شواهق الجبال والكهوف والبراري، فإن هذا ليس بمشروع إلا في أيام الفتن والزلازل في الدين، كما ثبت عند البخاري من حديث أبي سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال:"يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن.""
ما سبق ذكره بعض المعالم والشذرات حول مفهوم السياحة، الأصل والأساس، والذي كاد يُعدم معناه أو ينمحي، حيث أبدله الناس بهذا المفهوم العارم والذي سنسلط عليه بعض الضوء والمصارحة، ففي النصح بركة والحر تكفيه من ذلك الإشارة. فنقول: إن الترويح على النفس بما أباح الله لها هو مسرح للاستئناس البريء الخالي من الصخب واللغط، على حد قول النبي، - صلى الله عليه وسلم - لحنظلة بن عامر، - رضي الله عنه:"ولكن، ساعة وساعة،"لا كما يقول أرباب التحرر:"ساعات لك، وساعة لربك، واستعن بالهزل على الجد، والباطل على الحق،"أو:"دع ما لله لله، وما لقيصر لقيصر!"كلا! فالبيت والمجتمع والإعلام كلهم خاضعون لحدود الله. ومتى تجاوزوا تلك الحدود، فما قدَروا الله حق قدره وما شكروه على آلائه.
قبل الإجازات نرى أقواماً يَعقدون الجلسات غير المباركة عن معاقد عزمهم في شد الرحال إلى مجاري الأنهار وشواطئ البحار في بلاد الكفار أو بلاد تشبهها، يفرون من الحر اللافح إلى البرد القارس، وما علموا أن الكل من فيح جهنم ونَفَسها الذي جعله الله لها في الشتاء والصيف.
رحلات عابثة تفتقر إلى الهدف المحمود والنفع المنشود، أدنى سوئها الإسراف والتبذير، ناهيك عما يشاهد هنالك من محرمات ومخازي لا يُدرى كيف يبيح المرء لنفسه أن يراها، وماذا سيجيب الله عن قوله:"قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم."