فهرس الكتاب
الصفحة 312 من 477

سياحة الصائمين في معاني( لعلكم تتقون )

د. محمد عمر دولة

[1] مقدمة:

لا شكَّ أنَّ المتأمِّلَ في سِياقِ آياتِ الصيام؛ يُدرِكُ بالتدبُّرِ والتفكُّرِ معانيَ كثيرةً ودلالاتٍ عظيمةً لقولِ الله - عز وجل: (يا أيّها الذين آمنوا كُتَِب عليكم الصِّيامُ كما كُتِب على الذين من قبلِكم لعلّكم تتقون أيّاماً معدوداتٍ فمن كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فعِدَّةٌ من أيّامٍ أُخَر وعلى الذين يُطيقونه فِدْيةٌ طعامُ مسكين فمن تطوَّعَ خيراً فهو خيرٌ له وأن تصوموا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون شهرُ رمضانَ الذي أُنزِل فيه القرآنُ هُدًى للناسِ وبيِّناتٍ من الهُدى والفُرقانِ فمَنْ شَهِدَ منكم الشهرَ فلْيَصُمْهُ ومن كان مرضاً أو على سفرٍ فعدةٌ من أيامٍ أُخَر يُرِيد الله بكم اليُسرَ ولا يُريد بكم العُسر ولتُكملوا العِدَّةَ ولتُكَبِّرُوا اللهَ على ما هداكم ولعلّكم تشكرون) . [1]

[2] تسلية المسلمين:

فإذا تدبَّرْنا قولَ الله - عز وجل: (يا أيّها الذين آمنوا كُتَِب عليكم الصِّيامُ كما كُتِب على الذين من قبلِكم) ؛ أدركْنا سِرَّ ذكرِ الأممِ السالفة من قبلِنا التي فُضِّلتْ عليها أمتُنا تفضيلاً! فقد"ذكر أنه كما أوجبه عليهم، فقد أوجبه على الذين كانوا من قبلِهم؛ فلهم فيه أسوةٌ؛ وليجتهد هؤلاء في أداءِ هذا الفرض أكملَ مما فعلَهُ أولئك، كما قال - تعالى: (لكلٍّ جعلنا منكم شِرعةً ومِنهاجاً ولو شاء اللهُ لجعلكم أمةً واحدةً ولكنْ ليبلوَكم فيما آتاكم فاسْتَبِقوا الخيرات) الآية". [2]

[3] استثارةُ هِمَمِ المسلمين:

فلهذا التعبيرِ القرآنيِّ البليغ: (يا أيها الذين آمنوا كُتَِب عليكم الصِّيامُ كما كُتِب على الذين من قبلِكم) دلالاتٌ كثيرةٌ وأغراضٌ عديدةٌ:"أحدُها: الاهتمامُ بهذه العبادةِ والتنويهُ بها؛ لأنها شرعها الله قبلَ الإسلامِ لمن كانوا قبل المسلمين، ثم شرعها للمسلمين؛ وذلك يقتضي اطِّرادَ صلاحِها ووفرةَ ثوابِها وإنهاضَ هِمَمَ المسلمين لتلقِّي هذه العبادةِ؛ كي لا يتميَّزَ بها من كان قبلَهم...فهذه فائدةُ التشبيهِ لأهلِ الهِمَمِ من المسلمين؛ إذْ ألحقهم بصالحِ الأمم في الشرائعِ العائدة بخيرِ الدنيا والآخرة، قال - تعالى: (وفي ذلك فلْيتنافسِ المتنافسون) ! [3] والغرضُ الثاني: أنَّ في التشبيهِ بالسابقين تهويناً على المكلَّفِين بهذه العبادة أن يستثقِلوا هذا الصوم؛ فإنَّ في الاقتداء بالغير أسوةً في المصاعب! فهذه فائدةٌ لمن قد يستصعب الصوم من المشركين فيمنعه وجودُه في الإسلام من الإيمان، ولمن استثقله من قريبي العهد بالإسلام.وقد أكَّد هذا المعنى الضمنيَّ قوله: (أياماً معدوداتٍ) ! والغرضُ الثالث: إثارةُ العزائمِ للقيامِ بهذه الفريضةِ؛ حتى لا يكونوا مقصِّرين في قبولِ هذا العرض، بل يأخذوه بقوّةٍ تفوق ما أدَّى به الأممُ السابقة". [4]

[4] التقوى:

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام